للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالجبل. ولم يخلف ولدا ذكرا. وأنشأ دارَ السعادة، وبالنَّيْرَبِ الدّهشة، وصُفَّة بُقراط.

ومن حسنات الأشرفِ قَالَ ابْن واصل فِي «تاريخه» [١] : وَقَعَت بدمشق فتنةٌ بين الشافعية والحنابلة بسببِ العقائد، وتعصّب الشيخ عزّ الدّين ابن عَبْد السلام عَلِي الحنابلة، وجرى بِذَلِك خبط طويل حَتَّى كتب عزّ الدّين إِلَى الأشرف يقع في الحنابلة، وذكر النّاصح ابن الحنبليّ وعرض بأنه ساعدَ عَلَى فتح بابِ السَّلامة لعسكر الملكِ الأفضل والملك الظاهر لمّا حاصرا العادلَ بدمشق. فكتبَ الأشرف بخطِّه- وقد رَأَيْته-: يا عزَّ الدّين الفتنةُ ساكنةٌ، فلعن الله مثيرها. وأمّا حديثُ بابِ السَّلامة فكما قَالَ الشاعر:

وجُرمٌ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ ... فَحَلَّ بِغَير جَانِيهِ العَذَابُ

قَالَ: وقد تابَ الأشرفُ فِي مرضه، وأظْهرَ الابتهال والاستغفار والذِّكّر إلى أن تُوُفّي تائبا، وخُتِمَ لَهُ بخير.

وقالَ ابْن الْجَوْزيّ [٢] : مَرِضَ الملكُ الأشرف في رجب سنة أربع وثلاثين وستمائة مَرَضَيْنِ مختلفين فِي أعلاه وأسفلِه، فكانَ الجرائحيّ يُخرج العظام من رأسه وهو يسبحُ اللَّه تعالى ويَحمَده، واشتدَّ بِهِ ألمه، فلَمَّا يئسَ من نفسه، قَالَ لوزيره ابن جرير: فِي أي شيء تكفّنوني؟ فما بَقي فِي قوةٌ تحملُني أكثرَ من غدٍ فقالَ: عندنا فِي الخِزانَة نصافي فقال: حاشَ اللَّه أن أُكَفَّنَ من الخِزانَة. ثم نَظَرَ إلى ابن موسك الأمير فقالَ: قمُ وأحضرْ وَديعتي. فقامَ وعاد وعلى رأسِه مِئزرُ صُوفٍ، ففَتحه فإذا فِيهِ خِرَقٌ من آثارِ الفقراء. وطاقياتُ قومٍ صالحين مثل الشَّيْخ مَسْعُود الرُّهاويّ، والشيخ يونس البيطار، وفي ذَلِكَ إزارٌ عتيق يُساوي نصفَ درهم أو نحوه فقالَ: هذا يكون عَلِي جسدي أتَّقي بِهِ حرَّ جهنم، فإنّ صاحبَه كَانَ من الأبدالِ، كَانَ حبشيا أقام بجبل الرُّها مدّة يَزْرعُ قطعةَ أرضٍ زعفرانا، ويتقوتُ منها


[١] مفرّج الكروب: ٥/ ١٤١، ١٤٢.
[٢] في مرآة الزمان: ٨/ ٧١٥.