ابن شيخ الشَّيوخ تاج الدّين، قَالَ: خَرَجنا من القاهرة فِي ربيع الأوّل، فودّع عمادُ الدّين إخوته، وقالَ لَهُ أخوه فخرُ الدّين: ما أرى رواحَكَ مصْلحةً. وربّما آذاك الجوادُ، فقال: أَنَا ملَّكْتُه دمشقَ فكيف يُخالفني؟ فقالَ: صَدَقْتَ، أنت فارَقْتَه أميرا وتعودُ إِلَيْهِ وقد صارَ سلطانا فكيفَ يسمحُ لنفسه بالنزول عن السلطنة؟ وإذا أتيتَ فانزِلْ عَلَى طَبَريَّة وكاتِبْه، فإنْ أجابَ، وإلَّا فتقيمُ مكانَك وتُعرِّف العادل. فلم يقبل، وسارَ فنزلنا بالمصلّى، وجاءَ الجوادُ للقائنا وسارَ معنا، وأنزلَ عمادَ الدّين فِي القلعةِ. وعادَ أسدُ الدّين من حمص إلى دمشق. وبعثَ الجواد لعماد الدّين الذهبَ والخلَعَ، وما وَصَلني من رشاشِها مطرٌ مَعَ مُلازمتي لَهُ فِي مرضِه، فإنَّه ما خَرَجَ من القاهرة إلّا فِي محفةٍ. ثم إنّ الجواد رَسمَ عَلَيْهِ ومَنَعَه فِي المخالي، فجاءَ أسدُ الدّين إلى ابن الشَّيْخ وقال: المصلحة أن تكتب إلى العادل تستنزِلهُ عن هذا.
فقالَ: حتى أروحَ إلى بَرْزَة وأُصلّي صلاةَ الاستخارَة فقالَ: تروحُ إلى بَرْزَة، وتهربُ إلى بَعْلَبَكَّ. فغَضِبَ وانفصلا عَلَى هذا ثم اتّفقوا عَلَى قتله. وسافر أسدُ الدين إلى حمصَ ثم بَعَثَ إلى الجوادُ يَقُولُ: إنْ شئْتَ أن تركَب وتتنزَّه، فاركب.
فاعتقد أنّ ذَلِكَ عن رضا، فلَبِسَ فَرْجية كانَ خَلَعها عَلَيْهِ، وبعَثَ إِلَيْهِ بحصانٍ، فلمّا خَرَجَ من باب الدّار، إذا شخص بيده قصّة، واستغاث، فأراد حاجبه أن يأخذها منه، فقال: لي مَعَ الصاحب شغلٌ. فقال عماد الدّين: دعوه فتقدّم وناوله القصّة وضربه بسكّين في خاصرته بدّد مصارينه، وجاء آخر فضربه بسكّين عَلَى ظهره، فرُدّ إِلَى الدّار مَيْتًا. وأخذ الجوادُ جميعَ تركتِه، وعَمِلَ مَحْضَرًا أنّه ما مَالأ عَلَى قَتْلِه، وبَعَثَ إلى أَبِي فقال: اطْلَعْ، فجهزِ ابن أخيك. فجَهَّزْناه وأخرجْناه وخيَّطْنا جراحاتِه ودفَنَّاه فِي زاويَة الشَّيْخ سعد الدّين ابن حَمُّويَه بقاسِيُون. وكانت لَهُ جِنازةٌ عظيمة.