للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِيَ نظرَ الدّيوان بإرْبِل، ونزحَ عَنْها بعد استيلاء التتار عليها إلى المَوْصِل فأقام بها. ووَلِيَ والده أَبُو الفتح الاستيفاءَ بإرْبِل مدّة، وكذا والدهم أَبُو البركات كانَ مستوفيا بها.

وقالَ ابن خَلِّكان [١]- رحمه اللَّه-: كَانَ شرفُ الدّين رئيسا، جليل القَدْرِ، مُتواضعًا، واسعَ الكرم، مُبادرًا إلى رِفادةِ مَنْ يَقَدمُ البلدَ، ومُتَقرِّبًا إلى قلبِه بكلّ ما يقدُر عَلَيْهِ. وكان جَمَّ الفضائل، عارِفًا بعدةِ فنون منها: الحديثُ وفنونه وأسماؤه وما يتعلقُ بِهِ. وكان ماهرا فِي فنونِ الأدب من النَّحْو، واللّغة، والبيانِ، والشعرِ، والعَروضِ، وأيَّام العرب. وكان بارعا فِي علم الدّيوان وحسابهِ وقوانينه. صنَّفَ كتابِ «النظام فِي شرح ديوان المتنبّي وديوان أَبِي تمّام» جاءَ فِي عشرِ مُجلدات، وله كتاب «المُحَصَّل فِي نسبة أبيات المُفَصل» فِي مجلّدين. سَمِعْتُ منه كثيرا، وسَمِعْتُ بقراءته عَلَى المشايخ الواردين شيئا كثيرا.

قَالَ ابنُ الشّعار فِي كتاب «قلائد الجمان» - بعد أن بالغَ فِي وصف الصاحب أبي البركات وفضائله ومكارمه [٢]-: وكان محافظا على عمل الخير والصلاح، مواظبا على الصلاة والعبادة، كثير الصوم، دائم الذّكر، متتابع الصدقات. وله ديوان شعر أجاد فيه. خرج من مسجده ليلا إلى داره، فوثب عليه شخص فضربه بسكّين في عضده، فأحضر مزيّنا وقمّطها بلفائف وسلم. وكتب إلى مظفّر الدّين صاحب إربل:

يا أيُّها المَلِكُ الّذِي سَطَواتُه ... مِنْ فَعْلها يَتَعَجَّبُ المِرِّيخُ

آياتُ جُودِكَ مُحْكَمٌ تَنْزيلُها ... لا ناسخٌ فيها ولا مَنْسوخُ

أشْكُو إلَيْكَ وما بُليتُ بِمثْلِها ... شَنْعَاءَ ذِكْرُ حَديُثها تاريخُ

هِيَ ليلةٌ فيها وُلِدْتُ وشاهدي ... فيما ادَّعَيْتُ القِمْطُ والتمريخُ

خرجت من إربل سنة ستٍّ وعشرين وشرف الدّين فِي رتبةٍ دون الوزارة، ثم


[١] في وفيات الأعيان: ٤/ ١٤٧- ١٥٢ بتصرف.
[٢] في الجزء ٦/ الورقة ١٨ فما بعد.