أيام. وكُتِمَ يومئذٍ موتهُ فخَطَبوا لَهُ يومئذٍ، فحضرَ شرفُ الدّين إقبال الشَّرابيّ ومعه جَمْعٌ من الخَدَم إلى التّاج الشريف، وحَضَروا بين يدي ولدِه أَبِي أَحْمَد عَبْد اللَّه، فَسَلَّم عَلَيْهِ إقبال بإمرَة المؤمنين، واستدعاهُ إلى سُدَّةِ الخلافةِ، ثمّ عَرَفَ الوزيرُ، وأستاذُ الدّار ذَلِكَ، واسْتكْتماه إلى اللّيل. ثم استدُعيّ الوزيرُ، فجاء من باب السِّرِّ الّذِي بدارِ الأمير علاء الدّين الدُّويدار المقابل لداره، واستدعي- وهو عاجزٌ- فِي مِحَفَّةٍ، وأحضر أيضا مؤيَّدُ الدّين مُحَمَّد ابن العَلْقَميّ أستاذُ دار، فمَثَلا بينَ يَدي السُّدّة، فقبّلا الأرض وهنّئاه بالخلافَة، وعَزَّياه بالمستنصرِ وبايَعاه. وأحْضِرَ جماعةٌ من الأسرةِ الشريفَة من أعمامِه وأولادِ الخُلفاء، ثم خَرَجَ الوزيرُ وسَلَّم إلى الزّعماء والوُلاةِ مَحَالَّ بغداد، وأمر أن لا يركبَ أحدٌ من الأمراءِ من داره. وفي بُكرةِ السَّبْتِ رَأَى الناسُ أبوابَ الخلافةِ مُغْلَقةً، وجلسَ عبدُ اللطيف بن عَبْد الوَهَّاب الواعظُ وأخبرَ بوفاةِ الخليفة وجلوس ولدِه المُستعصم باللَّه- ومولده سنة تسع وستمائة- ثم لمّا ارتفع النهار، استدعي الأعيان للبَيْعَةِ وجلسَ الوزيرُ لعَجزِه، ودونَه بمرقاة أستاذ الدّار، وكانَ يأخُذُ البيعةَ عَلَى الناسِ، وصورتُها.
«أبايعُ سيِّدَنا ومولانا أمير المؤمنينَ عَلَى كتاب اللَّه وسنةِ رسوله واجتهادِ رأيه الشريف وأن لا خليفة للمسلمين سواه» .
فبايَعَ النَّاسُ عَلَى درجاتِهم. ثم أسْبلت السَّتارةُ. وبايعَ من الغدِ الأمراءُ الصغارُ والمماليكُ الميامينُ، ثم بايعَ فِي اليوم الثالث مَنْ تَبقَّى من الأمراءِ والتّجّارُ وبياضُ الناس. ثم جلسَ المَلأ للعزاءِ بالمستنصرِ، وتكلّمَ المحتسبُ جمالُ الدّين أَبُو الفَرَج عبدُ الرَّحْمَن ابن محيي الدّين يوسف ابن الإمام أبي الفرج ابن الْجَوْزيّ، وتكلَّم الشُّعراءُ فأوَّلُ مَنْ أوردْ مقدمهم صفيُّ الدُّين عَبْد اللَّه بن جميل حاجبُ المخزن بقصيدته التي يَقُولُ فيها:
عَزَّ العَزَاءُ وأعوزَ الإلمامُ ... واسْتَرجَعَتْ ما أعطتِ الأيَّامُ