للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزل، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه. وهذا من أغرب ما تمّ فِي الوجود حتّى إنّ الفرنج اعتقدوا أنّ المسلمين فعلوا هذا مكيدة. ثمّ كَانَ لهم الأمر، وابتلى اللَّه تعالى العسكَر بالعدوّ وذَهاب أموالهم. فقيل سبب هروبهم أنّهم بطّقوا [١] مرّة بعد أخرى إلى السّلطان ليكشف لما جاء خبر، وكان قد سقاه الطّبيب دواء مخدّرا، وأوصى بأن لا يُزعج ولا ينبَّه، فكتموه الخبر، فوقع إرجاف فِي دِمياط بموته، ونزل بهم الخذْلان.

وكان الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب عَلَى المنصورة نازلا، فغضب كيف يسيّبها أهلها، وشنق من أَعيان أهلها ستّين رجلا [٢] . ولمّا أمر بشنقهم قَالُوا: ما ذَنْبُنا إذا كانت عساكره وأمراؤه هربوا وأحرقوا الزّرد خاناه، فأيش نعمل نَحْنُ؟

وقامت القيامة عَلَى العسكر، وخرج أهل دِمياط حُفاةً عُراة جياعا فقراء حَيَارى بالحريم والأطفال، قد سَلِم لهم بعض ما يعيشون بِهِ، فنهبهم المسلمون فِي الطّريق.

وأمّا العسكر فاستوحشوا من السّلطان ودعوا بهلاكه [٣] .


[ () ] الدين أيوب إلى ابنه توران شاه يشرح له كيف أخذ الفرنج دمياط، في (نهاية الأرب ٢٩/ ٣٤٣، ٣٤٤) ، الإعلام والتبيين ٥٥.
[١] بطقوا: أي كتبوا بطاقات صغيرة وأرسلوها مع الحمام الزاجل.
[٢] وقال ابن العبري في (تاريخ الزمان ٢٩٤) : «فسخط الصالح عليهم وأمر بصلبهم وهم ٦٤ أميرا على ٣٢ صليبا زوجا زوجا كما هم بثيابهم ومناطقهم وخفافهم» ، وقال في (تاريخ مختصر الدول ٢٥٩) : «وكانوا أربعة وخمسين أميرا» . وفي (المختصر في أخبار البشر ٣/ ١٧٩) أن المشنوقين هم من بني كنانة، وفي (أخبار الأيوبيين لابن العميد ١٥٨) ، «كانوا نيف وخمسين أميرا» ، وفي (الحوادث الجامعة- ص ١١٩) : «صلب نيّفا وثمانين زعيما» ، وفي (نهاية الأرب ٢٩/ ٣٣٥) «وكانوا نيّفا وخمسين أميرا» . والمثبت يتفق مع تاريخ ابن الجزري ٢١٦.
[٣] مرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٧٧٣، الحوادث الجامعة ١١٨، ١١٩، أخبار الزمان ٢٩٣، ٢٩٤، ذيل الروضتين ١٨٣، تاريخ مختصر الدول ٢٥٨، ٢٥٩، المختصر في أخبار البشر ٣/ ١٧٨، ١٧٩، أخبار الأيوبيين ١٥٨، الدر المطلوب ٣٦٥- ٣٧٠، دول الإسلام ٢/ ١٥٢، العبر ٥/ ١٥٢، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢١٦، تاريخ ابن الوردي ٢/ ١٨١، مرآة الجنان ٤/ ١١٦، عيون التواريخ ٢٠/ ٣٠، البداية والنهاية ١٣/ ١٧٧، العسجد المسبوك ٢/ ٥٧٠،