للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُل أنّ شخصا دخل الحمّام فرأى الحريريَّ فِيهِ ومعه صِبيان حِسانٌ بلا مَيَازِر، فجاء إِلَيْهِ فَقَالَ ما هذا؟ فَقَالَ: كأنّ لَيْسَ سوى هذا، وأشار إلى أحدهم تمدَّد عَلَى وجهك، فتمدّد. فتركه الرجل وخرج هاربا ممّا رَأَى.

وحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق الصَّريفينيّ قَالَ: قلت للحريريّ: ما الحُجَّةُ فِي الرَّقص؟ قَالَ: قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ٩٩: ١ [١] . وكان يُطْعِم ويُنْفق ويهوِّن أمورَ الدّين فيتبعه كلُّ مريب. وشاع خبره، وشهِد عَلَيْهِ خلقٌ كثير بما رأوا منه ومن أصحابه بما يوجب القتْل. ورُفِع أمره إلى السّلطان، فلم يقدم عَلَى قتله، بل سجنه مرّة بعد أخرى، ثُمَّ أُطلِق والله المستعان عَلَى هذه المصيبة الّتي لم يُصَب المسلمون بمثلها.

قلت: رحم اللَّه السّيفَ ابن المجد ورضي عَنْهُ، فكيف لو رَأَى كلام الشّيخ ابن العربيّ الَّذِي هُوَ محض الكُفْر والزَّنْدقة لقال إنّ هذا الرجل المنتظر. ولكنْ كَانَ ابن العربيّ منقبضا عَن النّاس، وإنّما يجتمع بِهِ آحاد الاتّحادية، ولا يصرّح بأمره لكلّ أحد، ولم يشتهر كُتُبه إلا بعد موته بمدّة. ولهذا تمادى أمره، فلمّا كَانَ عَلَى رأس السّبعمائة جدّد اللَّه لهذه الأمّة دينها بهتْكه وفضيحته، ودار بين العلماء كتابه «الفصوص» . وقد حطّ عَلَيْهِ الشَّيْخ القُدوة الصّالح إِبْرَاهِيم بْن معضاد الْجَعْبَريّ، فيما حَدَّثَنِي بِهِ شيخُنا ابن تَيْميّة، عَن التّاج البرنْباريّ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم يذكر ابنَ العربيّ فَقَالَ: كَانَ يقول بقِدَم العالم ولا يُحرِّم فَرْجًا.

وأنبأنا العلّامة ابنُ دقيق العيد أنه سمع الشَّيْخ عز الدين بْن عَبْد السّلام يَقُولُ فِي ابن العربيّ: شيخ كذّاب.

وممّن حطّ عَلَيْهِ وحذّر من كلامه الشّيخ القدوة الوليّ إبراهيم الرّقّي.


[١] أول سورة الزلزلة.