للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دمشق، فأظهر أَنَّهُ متألّم خائف، وَأَنَّهُ يريد أن يسلّم حماة إلى الفِرَنج، وأنّ نائبة سيف الدّين ابن أَبِي عَلِيّ قد عرف بهذا منه، وَأَنَّهُ سيفارقه فأظهر الخلاف عَلَيْهِ، فخرج من حماة، وتبِعه أكثرُ العسكر، وطائفةٌ كثيرةٌ من أعيان الحَمَوِيّين خوفا من الفرنج. ورام المظفَّر أن تتمّ هذه الحيلة فما تمّت. فسار الأمير سيفُ الدّين بالنّاس، وقوّى المظفَّر الوهْمَ بأنِ استخدم جماعة من الفِرنْج وأنزلهم القلعة، فقوي خوفُ الرّعيّة. وتبِع سيفَ الدّين خلْفٌ، فسار وراء المظفَّر يُظْهِر أَنَّهُ يسترضيه، فما رجع، فنزلوا عَلَى بُحَيْرة حمص، فركب صاحب حمص وأتاهم واجتمع بسيف الدّين مُطْمَئِنًّا. ولو حاربه سيفُ الدّين بجَمْعه لَمَا قدر عَلَيْهِ صاحب حمص، ولَكَان وصل إلى دمشق وضَبَطَها ولَعَزَّ عَلَى الصّالح إِسْمَاعِيل أن يأخذها.

فسأل سيف الدّين عَن مَقْدَمه فَقَالَ: هذا الرّجل قد مال إلى الفرنج واعتضد بهم، فطلبنا النّجاة بأنفُسنا. فوانسه الملك المجاهد، وطلب منه دخول حمص ليضيفه، فأجابه سيف الدّين وصعِد معه إلى القلعة. وأظهر لَهُ الإكرام، ثُمَّ بعث إلى أصحابه فدخل أكثرهم حمص، ومن لم يُجِبْ هرب.

ثُمَّ قبض المجاهد عليهم وضيّق عليهم، واعتقل الأكابر وعاقبهم وصادرهم حتّى هلك بعضهم فِي حبْسه، وبعضهم خلّص بعد مدّة، وباعوا أملاكهم وأدّوها فِي المصادرة. وهلك فِي الحبس سيف الدّين [عليّ] [١] ابن أَبِي عَلِيّ، وهو أخو أستاذ دار الملك الصّالح حسام الدّين، ويا ما ذاق من الشّدائد حتّى مات. وضعُف صاحب حماة ضعفا كثيرا، واغتنم ضعفَه صاحبُ حمص فسار وقصد دمشق مؤازرا لإسماعيل، فصبّحوا دمشق فِي صَفَر سنة سبْعٍ، وأُخِذت بلا قتال. بل تسلَّق جماعةٌ من خان ابن المقدّم، ونزلوا فكسروا قفْلَ بابِ الفراديس ودخلوا.

ثُمَّ دخلوا القلعة، وقاتلوا المغيثَ ثلاثة أيّام، فسلَّمت بالأمان، ودخل إِسْمَاعِيل القلعة، وسجن المغيثَ فِي برج إلى أن مات [٢] .


[١] إضافة من: مفرّج الكروب ٥/ ٢٢٧.
[٢] مفرّج الكروب ٥/ ٢٣٠.