لمّا تُوُفّي الصّالح جمع فخرُ الدّين ابن الشَّيْخ الأمراء وحلفوا لهذا، وكان بحصن كيفا، ونفذوا فِي طلبه الفارس أقطايا، فساقَ عَلَى البريد، وأخذ عَلَى البرّيّة بِهِ أيضا لئلّا يعترضه أحدٌ من ملوك الشّام، فكاد أن يهلك من العَطَش، ودخل دمشق هُوَ ومن معه، وكانوا خمسين فارسا، ساروا أوّلا إلى جهة عانَة وعَدّوا الفُرات، وغرَّبوا عَلَى بَرّ السَّمَاوَة.
ودخل دمشق بأُبَّهَة السَّلطنة فِي أواخر رمضان، ونزل القلعة وأنفق الأموال، وأحبّه النّاس. ثُمَّ سار إلى الدّيار المصريّة بعد عيد الأضحى، فاتّفق كسرةُ الفِرنج، خَذَلَهُم اللَّه، عند قدومه، ففرح النّاس وتيمّنوا بطَلْعته. لكنْ بدت منه أمورٌ نفَّرت منه القلوب، منها أَنَّهُ كَانَ فِيهِ خِفَّةٌ وطَيْش.
قَالَ الشَّيْخ قُطْبُ الدّين: كان الأمير حسام الدّين ابن أَبِي عليّ ينوب للصّالح نجم الدّين فسيِّر القُصّاد عند موته سِرًّا إلى المعظَّم بحصْن كيفا يستحثّه عَلَى الإسراع، فسار مُجِدًّا، ونزل بحصن كيفا ولده الملك الموحّد عَبْد اللَّه وهو ابن عشر سنين، وسار يعسف البادية خوفا من الملوك الّذين فِي طريقه، فدخل قلعة دمشق، ثُمَّ أخذ معه شَرَف الدّين الوزير هبة اللَّه الفائزيّ.
وكان حسامُ الدّين المذكور قد اجتهد فِي إحضاره مَعَ أنّ والده كَانَ يَقْولُ:
ولدي ما يصلُح للمُلْك. وألحَّ عَلَيْهِ الحُسامُ أنْ يُحضِره فَقَالَ: أجيبه إليهم يقتلونه. فكان كما قَالَ.
وقال سعد الدّين بْن حمُّوَيه: قدِم المعظَّم فطال لسان كلّ من كَانَ خاملا فِي أيّام أَبِيهِ، ووجدوه مُخْتَلَّ العقل، سيّئَ التّدبير.