للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأهّبوا لقصد بغداد، وكاتبوا صاحب المَوْصِل لؤلؤ فِي تهيئة الإقامات والسّلاح. فأخذ يكاتب الخليفة سرّا ويهيّئ لهم الآلات والإقامات. وكان الوزير هُوَ الكلّ، وكان لا يوصل مكاتبات صاحب الموصل ولا غيره إلى الخليفة وإنْ وصلت سرّا إلى الخليفة أطلع عليها ابن العلقميّ وردّ الأمر إليه [١] .

وكان تاج الدين ابن صَلايا نائب إرْبل يحذّر الخليفة ويحرّك عزْمه، والخليفة لا يتحرّك ولا يستيقظ. فلمّا تحقّق حركة التّتار نحوه سير إليهم شرفَ الدين ابن محيي الدين ابن الْجَوْزي رسولا يعِدُهم بأموالٍ عظيمة، ثمّ سيّر مائة رَجُل إلى الدرْبَنْد يكونون فِيهِ ويطالعون الأخبار، فمضوا فلم يطلع لهم خبرٌ لأنّ الأكراد الّذين هناك دلّوا التّتار عليهم فقتلوهم أجمعين فيما قيل [٢] .

وركب هولاكو إلى العراق، وكان على مقدّمته باجونوين [٣] وفي جيشه خلْق من الكَرْخ ومن عسكر بركة ابن عمّ هولاكو، ومدد من صاحب الموصل مع ولده الملك الصّالح رُكن الدين إِسْمَاعِيل. وأقبلوا من جهة البرّ الغربيّ عن دجلة، فخرج عسكر بغداد وعليهم رُكن الدين الدوَيْدار، فالتقاهم يوم تاسوعاء على نحو مرحلتين من بغداد، فانكسر البغداديّون بعد أن قتلوا عددا كثيرا من العدوّ، وأخذتهم السّيوف وغرق بعضهم فِي الماء، وهرب الباقون.

ثمّ ساق باجونوين فنزل القريّة مقابل دار الخلافة وبينه وبينها دجلة.

وقصد هولاكو بغداد من جهة البرّ الشّرقيّ، ثمّ إنّه ضرب سورا على عسكره وأحاط ببغداد. فأشار الوزير على المستعصم بمصانعتهم وقال: أخرج إليهم أَنَا فِي تقرير الصُّلح. فخرج وتوثّق لنفسه من التّتار وردّ إلى الخليفة وقال: إنّ الملك قد رغب فِي أن يزوّج بنته بابنك الأمير أَبِي بَكْر ويُبقيك فِي منصب الخلافة كما أبقى صاحبَ الروم فِي سلطنته، ولا يؤثر إلّا أن تكون الطّاعة له كما كان أجدادك مع السّلاطين السّلجوقيّة، وينصرف عنك بجيوشه فيجيبه مولانا إلى هذا فإنّ فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن يفعل


[١] العبر ٥/ ٢٢٥.
[٢] تاريخ ابن الوردي ٢/ ١٩٦، مرآة الجنان ٤/ ١٣٨.
[٣] في العبر ٥/ ٢٢٥ «ناجوانوين» . والمثبت هو الصحيح.