للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان فِي آخر النّهار قال: ما بقي فِي رجاء، فتهيّأ فِي تجهيزي.

فبكيتُ وبكى [١] الحاضرون، فقال: لا تكن إلّا رجلا. لا تعمل عمل النّساء.

وأوصاني بأهله وأولاده، ثمّ قمت فِي اللّيلة فِي حاجةٍ، فحدّثني بعضُ فمن تركتُه عنده من أهله أنّه أفاق مرعوبا فقال: باللَّه تقدّموا إليّ فإنّي أجد وحشة.

فسُئل: ممّ ذلك؟ فقال: أرى صفّا عن يميني فيهم أَبُو بَكْر وسعد وصُوَرهُم جميلة، وثيابهم، بيض، وصفّا عن يساري صُوَرهم قبيحة فيهم أبدانٌ بلا رءوس وهؤلاء يطلبوني، وهؤلاء يطلبوني، وأنا أريد أروح إلى أهل اليمين.

وكلّما قال لي أهل الشّمال مقالتهم قلت: والله ما أجيء إليكم، خلّوني.

ثمّ أغفى إغفاءة، ثمّ استيقظ فقال: الحمد للَّه خلصت منهم.

قلت: وذكر أَنَّهُ رَأَى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قد جاء وجلس عنده. وقال لابنه شهاب الدّين غازي: تهيّأ فِي تجهيزي ولا تغيّر هيئتك.

وتُوُفي ليلة الثّامن والعشرين من جُمادى الأولى. وركب السُّلطان إلى البويضا، وأظهر التّأسّف والحزن عليه، وقال: هذا كبيرنا وشيخنا.

ثمّ حُمِل إلى تُربة والده بسفح قاسيون. وكانت أمّه خوارزميّة عاشت بعده مدّة.

وكان جوادا ممدّحا. ولم يزل فِي نكد وتعب لأنّه كان ضعيف الرّأي فيما يتعلّق بالمملكة. وكان مُعْتنيًا بتحصيل الكُتُب النّفيسة، وتفرّقت بعد موته.

وقد وفد عليه راجح الحلّيّ الشّاعر وامتدحه، فوصل إليه منه ما يزيد على أربعين ألف درهم، وأعطاه على قصيدةٍ واحدةٍ ألفَ دينار. وأقام عنده الخسروشاهيّ، فوصله بأموالٍ جمّة.

قال أَبُو شامة [٢] : تملّك النّاصر دمشق بعد أَبِيهِ نحوا من سنة، ثمّ اقتصر له على الكَرَك وأعماله. ثمّ سلب ذلك كلّه كما سلبه الإسكندري بن فيلبّس، وصار متنقّلا فِي البلاد، موكّلا عليه، وتارة فِي البراري إلى أن مات موكّلا عليه بالبويضا قبليّ دمشق، وكانت لعمّه مجير الدّين ابن العادل.


[١] في الأصل: «وبكا» .
[٢] في ذيل الروضتين ٢٠٠.