للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: وحدّثني الشَّيْخ شمس الدّين الباهِلي قَالَ: حدَّثني فَلَك الدّين ابن الخريميّ قَالَ: كنت بالشّام فِي سنة أخْذ بغداد، فضاق صدري، فسافرت وزُرت ببالِسَ الشيخَ أبا بَكْر فقال لي: أهلك سلِموا، إلّا أخاك مات. وأهلك فِي مكان كذا وكذا، والنّاظر عليهم رَجُل صفته كذا، وقبالة الدّرب الَّذِي هُمْ فيه دار فيها شجرة.

فلمّا قدِمتُ بغداد وجدت الأمر كما أخبرني.

قلت: ثُمَّ ساق لَهُ كرامات كثيرة من هذا النّمط، إلى أن قَالَ: ذِكْرُ ما كَانَ عَلَيْهِ من العمل الدّائم: كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كثير العمل، دائم المجاهدة ويأمر أصحابه بذلك، ويُلْزِمُهم بقيام اللَّيْلِ، وتلاوة القرآن والذّكر، دأبه ذَلِكَ لَا يفتر عنه. وفي كلّ ليلة جمعة يجعل لكلّ إنسانٍ منهم وظيفة من الجمعة إلى الجمعة. وكان يحثّهم عَلَى الاكتساب وأكْل الحلال، ويقول: أصل العبادة أكل الحلال، والعمل للَّه فِي سنّته.

وكان شديد الإنكار عَلَى أهل البِدَع، لَا تأخذه فِي الله لومة لائم. رجع بِهِ خلْقٌ كثير فِي بلدنا من الرّافضة وصحِبُوه.

وأخبرني الشَّيْخ إبراهيم بْن أبي طَالِب قَالَ: أتيت الشَّيْخ وهو يعمل فِي النَّهر الَّذِي استخرجه لأهل بالِس، ووجدت عنده خلقا كثيرا يعملون معه، فقال: يا إبراهيم، أنت لَا تُطيق العمل معنا، ولا أحبّ أن تقعد بلا عمل، فاذهب إلى الزّاوية، وصلّ ما قدّر لك، فهو خير من قعودك عندنا بلا عمل، فإنّي لَا أحبّ أن أرى الفقير بطّالا.

وكان يحثّ أصحابه عَلَى التّمسّك بالسّنّة ويقول: ما أفلح من أفلح إلّا بالمتابعة، فإنّ الله يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ٣: ٣١ [١] ، وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ٥٩: ٧ [٢] .

وكان لَا يمرّ عَلَى أحدٍ إلّا بادأه بالسّلام حتّى عَلَى الصّبيان وهم يلعبون، ويداعبهم، ويتنازل إليهم ويحدّثهم، وكنتُ أكون فيهم. وقد جاءته امرأة يوما


[١] سورة آل عمران، الآية ٣١.
[٢] سورة الحشر، الآية ٧.