تولّيت الإسكندريّة. وكان ثاني يوم قدِم فقلت: ما حاجتك؟ قال: أن تأذن لي كلّما أردت أن أجيء ليكون حضوري بدستورٍ منك عامّ. فأجرى الله على لساني أن قلتُ له: لا آذَنُ لك لأنّكم عندي كالمرض لا آذَنُ له إذا استأذن، ولكنْ إذا جاء دخل بقضاء الله صبرت عليه.
وانفصل عن ولاية الثَّغْر هذا الأميرُ من خمسٍ وعشرين سنة، فو الله ما أتمّ الشّيخ لي الحكاية حتّى أقبل هذا الأمير بعينه فقلت: سبحان الله.
فقال الشّيخ: اسأله عن هذه الحكاية لعلّه يذكرها فسألته فقال: أذكرها وكنت أحكيها دائما في مصر والشّام.
وكان رحمه الله يقول: لو علمتُ أنّ الملوك والأمراء لا يأخذهم الغرور بإقبالي عليهم لأقبلت، ولكنّهم يظنُّون أنّهم لمجرّد الزّيارة ينتفعون، وأنّ الإقبال عليهم دليل الرّضى عن أفعالهم. ولو علمتُ قابلا للنَّصيحة لدَخَلتُ إليه أنصحه. لمّا جاء الملك الكامل وخطر له أن يخرج إلى عندي جاءت له مقدّمات من مماليك وحُجّاب، وصادفوني أسلق [١] الفُول لعشَائي، وكنتُ حينئذٍ لا أحبّ داخلا، فقلت لرجلٍ كان عندي: السّلامة والكرامة في أن يُحال بيني وبينه.
فلمّا جاء إلى بابي قيّضَ الله له بعض نُصحائه فقال له: المملكة عظيمة، وقد صَحِبَك العسكرُ بجملته، وأنت بين أمرين: إمّا أن يأذن لك، أو يحجبك.
وإذا إذِن لك صرّفك كالآحاد، ونصحَك بما لا تطيق فِعْله، فإنْ فعلت تغيَّرتْ عليك قواعد كثيرة، وإن تركتَ قامت الحُجّة. والمصلحة عندي الاقتصار على الوصول إلى الباب.
فبلغني أنّه قال: جار الله وقد حصلت النِّيَّة. فانصرف راجعا. فقلت للشيخ: إنّ النّاس يقولون إنّك حجبته. فقال: ما حجبه إلّا الله.
قال المؤلّف: عرضتُ على الشّيخ كثيرا من حكايات مشايخ الرّسالة إلى أن