للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يُعجبه الطِّبّ إذا اقتضى خشونة أو تركا بالكُلّيّة. ويكره المِلْعقة.

وكان ينبسط ويقول: أكلت لونا غريبا. فأقول: ما هو؟ فيقول: صببت في القصعة ماء قُراحًا، وصبغت به الكسْرة. وكان لونا نظيفا.

وكان يقال له: أليس المِسْك طاهرا؟ فيقول: هو طاهر للطِّيب، فهل تجدون أن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أكله! وقال: لو فتّشوا على الملح ما وجدوه يخلص، إمّا من تَقَدُّم المُلْك على الملّاحات، وإمّا من رسْم ضمان، وإمّا من تغالب بين الملّاحين، ولو لم يكن إلّا جمل الْجِمال.

وكان يكره استعمال الْجِمال، وهو ما يقتنيها إلّا العرب. وقد شاهدتم أحوالهم ونَهْبهم.

وُصِف لي ملح بالمصليات فسافرتُ إليه، وأخذت منه حاجتي طول عُمري.

وَقَالَ فِي تَرْكِهِ الثِّمَارَ تَحْتَ الشَّجَرِ: هَبْ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، أَنَا تَرَكْتُ هَذَا الْمُبَاحَ.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ» [١] . وَقَوْلَهُ: «الْحَلالُ بَيِّنٌ» [٢] . وَقَوْلَهُ: «لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنَّهَا مِنْ ثَمْرِ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا» [٣] . وَكَانَ قَدْ لَقِيَهَا عَلَى فِرَاشِهِ. أَفَلَيْسَ مِنَ النَّادِرِ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ تَكُونَ مِنْ ثَمَرِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّ ثَمَرَ الصَّدَقَةِ كَانَ لا يَدْخُلُ بَيْتَهُ.

وكان إذا سمع النّاس ينسبونه إلى الورع ينكر ذلك ويقول: إنّ الورع


[١] تقدم تخريج هذا الحديث قبل قليل.
[٢] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ٤٠٤ رقم ١٠٨٢٤، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ٢٩٤ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبين ذلك شبهات فمن أوقع بهنّ فهو قمن أن يأثم، ومن اجتنبهنّ فهو أوفر لدينه، كمرتع إلى جنب حمى أوشك أن يقع فيه، ولكلّ ملك حمى، وحمى الله الحرام» .
[٣] رواه أحمد في المسند ٣/ ١٨٤.