للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: أيّكم قاتله؟ فقال الرجل، فقال: مَا قَالَ لَكَ؟ فَأَعَادَ الْحَدِيثَ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ [١] .

وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي «الطَّبَقَاتِ» بِأَسَانِيدِهِ، قَالُوا: وَأَخَذَ الْحُسَيْنُ طَرِيقَ الْعُذَيْبِ [٢] ، حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ [٣] ، فَخَفَقَ خَفْقَةً، ثُمَّ انْتَبَهَ يَسْتَرْجِعُ وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِسًا يُسَايِرُنَا وَيَقُولُ: الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَالْمَنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ نَعَى إِلَيْنَا أَنْفُسَنَا، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ بِكَرْبَلَاءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ كَالْمُكْرَهِ، وَاسْتَعْفَى عُبَيْدُ اللَّهِ فَلَمْ يَعْفِهِ، وَمَعَ الْحُسَيْنِ خَمْسُونَ رَجُلًا، وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ مِنَ الْجَيْشِ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ تِسْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا، وَقُتِلَ عَامَةُ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَبَقِيَ عَامَةُ نَهَارِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، فَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِمْ فَيَهْزِمُهُمْ، وَهُمْ يَتَدَافَعُونَهُ، يَكْرَهُونَ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ، فَصَاحَ بِهِمْ شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ مَاذَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ؟ فَطَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي تَرْقُوَتِهِ، ثُمَّ انْتَزَعَ الرُّمْحَ وَطُعِنَ فِي بَوَانِي [٤] صَدْرِهِ، فَخَرَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرِيعًا، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الْأَصْبَحِيُّ، لَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا رَضِيَ عَنْهُ [٥] .

وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ [٦] نَجِيحٌ، عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَتِهِ، إِنَّ الْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حِينَ نَزَلُوا كَرْبَلَاءَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلَاءُ، قَالَ: كَرْبٌ وَبَلَاءٌ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ فَقَابَلَهُمْ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا تَتْرُكُنِي أَنْ أَرْجِعَ، أَوْ تُسَيِّرُنِي إِلَى يَزِيدَ فَأَضَعُ يَدِي في


[١] تهذيب تاريخ دمشق ٤/ ٣٣٧.
[٢] العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة.
[٣] هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري ٥/ ٤٠٧ والكامل لابن الأثير ٤/ ٥٠ «قصر بني مقاتل» .
قال ياقوت في معجم البلدان ٤/ ٣٦٤: «وقصر مقاتل: كان بين عين التمر والشام، وقال السكونيّ: هو قرب القطقطانة وسلام ثم الفريّات: منسوب إلى مقاتل بن حسّان بن ثعلبة بن أوس..
[٤] البواني: أضلاع الصدر. وفي الأصل «ثواني» .
[٥] انظر تاريخ الطبري ٥/ ٤٤٩ وما قبلها.
[٦] في الأصل مطموسة، والتصحيح من (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى ص ١٤٤) .