للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان صوفيّا على قاعدة زُهد الفلاسفة وتَصَوُّفهم. وله كلامٌ كثير في العِرفان على طريق الاتحاد والزَّنْدقة، نسأل الله السّلامة في الدين.

وقد ذكرنا محطّ هؤلاء الجنس في ترجمة «ابن الفارض» و «ابن العربيّ» ، وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون للَّه تعالى، ولا يقومون في الذَّبّ عن معبودهم، تبارك اسمه، وتقدَّست ذاتُه، عن أن يمتزج بخَلْقه أو يحلّ فيهم، وتعالى الله عن أن يكون هو عين السّماوات والأرض وما بينهما. فإنّ هذا الكلام شرٌّ من مقالة من قال بقِدَم العالم، ومن عرفَ هؤلاء الباطنيّة عَذَرني، أو هو زِنْديقٌ مُبْطنٌ للاتّحاد ويذبّ عن الاتّحادية والحُلُوليّة، ومن لم يعرفهم فاللَّه يثيبه على حُسْن قصْده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربّه إذا انتُهِكت حُرُماته أكثر من غضبه لفقير غير معصومٍ من الزّلل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرا، مع أنَّا لا نشْهد على أعيان هؤلاء بإيمانٍ ولا كُفْرٍ لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشْكِل، وحسابهم على الله.

وأمّا مقالاتهم فلا رَيْبَ في أنّها شرٌّ من الشِّرْك، فيا أخي ويا حبيبي اعطِ القوسَ باريها، ودعني ومعرفتي بذلك، فإنّني أخاف الله أن يُعذّبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذّبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجلٍ مسلم: يا كافر، لقد بؤت بالكفر، فكيف لو قلته لرجلٍ صالح أو وليٍّ للَّه تعالى؟

ذكر شيخنا قاضي القُضاة تقيُّ الدِّين ابن دقيق العِيد قال: جلستُ مع ابن سبعين من ضَحْوَةٍ إلى قريب الظُّهر وهو يَسْرُد كلاما تُعْقل مفرداته ولا تُعْقل مُركبّاته.

قلت: واشتهر عنه أنّه قال: لقد تحجّر ابن آمنةٍ واسعا بقوله: لا نبيَّ بعدي.

وجاء من وجهٍ آخر عنه أنّه قال: لقد زربَ ابن آمنةٍ حيث قال: لا نبيَّ بعدي.