ميمنة التّتار الّتي كسرت ميسرة المسلمين، فمرّوا بالسّلطان وهو تحت العصائب والكوسات تضرب، وحوله من المقاتلة أقلّ من ألف، فَلَمَّا جاوزوه ساق وراءهم، فانهزموا لا يلوون على شيء، وتمّ النّصر بعد العصر، وانهزموا عن آخرهم قبل الغروب، وافترقوا، فأخذت فرقة على سَلَمية والبرّيّة، وأخرى على ناحية حلب. وعاد السّلطان إِلَى منزلته بليلٍ، وجهّز من غدٍ وراءهم الأيْدمريّ فِي طائفةٍ كبيرة [١] .
وجاءت يوم الجمعة بطاقة بالنّصر، فضُربت البشائر، وزُيّنت دمشق، فَلَمَّا كان نصف اللّيل وصل إِلَى ظاهر دمشق المنهزمون من الميسرة أمراء وجناد، ولم يعلموا بما تجدّد من النّصر، فقلق الخلْق، وماج البلد، وشرع خلْقٌ فِي الهروب. ثُمَّ وصل وقت الفجر بريديّ بالبشارة بعد أن قاسي الخلْق ليلة شديدة، وتودّعوا من أولادهم واستسلموا للموت، فإنّ أولئك التّتار كانوا يبذلون السّيف من غير تردُّد. ورأسهم كافر، وأكثرهم على الكُفر، فلله الحمدُ على السّلامة. وكان للصّبيان والنّسوان فِي تلك اللّيلة فِي الأسطحة ضجيجٌ عظيمٌ وبُكاء والتجاء إلى الله تعالى لا يعبّر عنه.
وكان رُكْنُ الدّين الجالق من جملة المنهزمين، ولم يعنّفْه السّلطان لأنّه رَأَى ما لا قِبَل له به. فَلَمَّا صُليّت الصُّبْح قُرِئ الكتاب السّلطانيّ بكسرة التّتار، وأنّهم كانوا مائة ألفٍ أو يزيدون. ثُمَّ جاء كتاب آخر قبل الظُّهْر فِي المعنى، وزُيّنت دمشق. واستشهد نحو مائتي فارس منهم الحاجّ أزْدمر، وسيف الدّين الرُّوميّ، وشهاب الدّين توتل الشَّهْرَزُوريّ، وناصر الدّين ابن جمال الدّين الكامليّ، وعزّ الدّين ابن النّصرة المشهور بالقوّة المُفْرِطة والصّرامة.
ودخل السّلطان دمشق يوم الجمعة المقبلة، وبين يدي موكبه أسرى
[١] وقال ابن أيبك الدواداريّ: حدّثني والدي- سقى الله عهده- قال: لما كسرت ميمنتنا ميسرة التتار، نظرت إلى من بقي مع السلطان تحت السناجق، فلم يكونوا يلحقوا عنده ثلاثمائة فارس. وكنت في ألف السلطان، وكان مقدّمنا يومئذ علم الدين زريق الرومي، فلم يبرح مع السلطان وأنا معه. (الدرّة الزكية ٢٤٣) .