قَالَ ابن العطّار: قَالَ لي الشَّيْخ: فَلَمَّا كان لي تسع عشرة سنة قدِم بي والدي إِلَى دمشق فِي سنة تسع وأربعين فسكنتُ المدرسة الرّواحية، وبقيتُ نحو سنتين لم أضع جنْبي إِلَى الأرض. وكان قُوتي بها جراية المدرسة لا غير.
وحفظت «التّنبيه» فِي نحو أربعة أشهر ونصف.
قَالَ: وبقيت أكثر من شهرين أو أقلّ لما قرأت: يجب الغُسْل من إيلاج الحشفة فِي الفَرْج، أعتقد أنّ ذلك قرقرة البطن. وكنت أستحمّ بالماء البارد كلّما قرقر بطني.
قَالَ: وقرأت حِفْظًا رُبع «المهذَّب» فِي باقي السّنة، وجعلت أشرح وأصحِّح على شيخنا كمال الدّين إِسْحَاق بْن أَحْمَد المغربيّ، ولازَمْتُه فأُعجِب بي وأحبّني، وجعلني أُعيد لأكثر جماعته. فَلَمَّا كَانَتْ سنة إحدى وخمسين حججتُ مع والدي، وكانت وقْفَة جُمعة، وكان رحيلنا من أوّل رجب، فأقَمْنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف.
فذكر والده قَالَ: لمّا توجّهنا من نَوَى أَخَذَتْه الحُمّى، فلم تفارقْه إِلَى يوم عرفة، ولم يتأوَّه قَطَّ.
ثُمَّ قدِم ولازَم شيخه كمال الدّين إِسْحَاق.
قَالَ لي أبو المفاخر مُحَمَّد بْن عَبْد القادر القاضي: لو أدرك القُشَيْريُّ شيخكَم وشيخَه لما قدّم عليهما فِي ذِكره لمشايخها، يعني الرّسالة، أحدا لِما جُمع فيهما من العِلم والعمل والزُّهد والورع والنُّطْق بالحِكَم.
قَالَ: وذكر لي الشَّيْخ أنّه كان يقرأ كلّ يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا، درسين فِي «الوسيط» ودرسين فِي «المهذّب» ودرسا فِي «الجمع بين الصّحيحين» ودرسا فِي «صحيح مُسْلِم» ، ودرسا فِي «اللُّمَع» لابن جَنّيّ، ودرسا فِي «إصلاح المنطق» لابن السِّكّيت، ودرسا فِي «التّصريف» ، ودرسا فِي أصول الفِقْه، تارة فِي «اللُّمَع» لأبي إِسْحَاق، وتارة فِي «المنتخب» لفخر الدّين، ودرسا فِي أسماء الرجال، ودرسا فِي أصول الدّين.