رحمته كلّ شيء، وحقّ لها إذا وسعت. وسعت الى طاعته السّماوات والأرض حين قَالَ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ٤١: ١١ [١] فأطاعت وسمعت.
احمده لصفاتٍ بَهَرتْ، واشكره عَلَى نعم ظهرتْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادة عَنِ اليقين صدرتْ، وأشهدُ انّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، بعثَهُ والفتنةُ قد احتدَّت، والحاجة قد اشتدَّت، ويدُ الضَلالِ قد امتدَّتْ، وظُلُمات الظُّلم قد اسودَّت، والجاهليّة قد أخذت نهايتها، وبلغت غايتها، فجاء بمحمد صلى الله عليه [وسلم] ، فملك عِنَانها، وكَبَت أعيانها، وظهرت آياته فِي الجبابرة، فهلكت فرسانها، وفي القياصرة فنكّست صُلبانها، وفي الأكاسرة فصدّعت إيوانها، وأوضح عَلَى يده المحجّة وأبانها، صلّى اللَّه عَلَيْهِ وعلى آله فروع الأصل الطّيّب، فما أثبتها شجرة وأكرم أغصانها.
ايها النّاس خافوا اللَّه تأمنوا فِي ضمان وعده الوفىّ، ولا تخافوا الخلق وإن كثروا، فإنّ الخوف منهم شِرْكٌ خفىّ، الا وإنّ من خاف اللَّه. خاف منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللَّه خاف من كلّ شيء. وإنّما يخاف عزّ الربوبيّة من عرف من نفسه ذُلَ العبوديّة، والاثنان لا يجتمعان فِي القلب، ولا تنعقد عليهما النّيّة. فاختاروا لأنفسكم، إمّا اللَّه تعالى، وإمّا هذه الدّنيا الدَّنية، فمن كانت الدّنيا أكبر هَمّة لم يزل مهموما، ومن كَانَ زهرتها نُصب عينه. لم يزل مهزوما، ومن كانت جِدّتها غاية وَجْده لم يزل مُعْدَمًا حتّى يصير معدوما.
فاللَّه اللَّه عباد اللَّه، الاعتبار الاعتبار، فأنتم السُّعداء إذا وُعظتم بالأغيار، أصلِحوا ما فَسد، فإنّ الفساد مقدّمة الدّمار، واسْلكُوا الْجِدّ تنجوا فِي الدّنيا من العار، وفي الآخرة من النّار، واتّفوا اللَّه، وأصلِحوا تُفْلحوا، وسلّموا تَسْلموا، وعلى التّوبة صمّموا واعزموا، فما أشقى من عقد التّوبة بعد هذه العِبَر ثمّ حلّها، الا وإنّ ذنبا بعد التّوبة أقبح من سبعين قبلها» .
تُوُفّي ابن المُنَيّر فِي مستهلّ ربيع الأوّل بالثّغر.