وحكم بالقصيدة لابن الخَيْميّ.
واستجود بعض الحاضرين أبيات ابن إسرائيل وقال: من ينظم مثل هذا من الحامل لَهُ عَلَى ادّعاء ما لَيْسَ لَهُ؟ فبدر ابن الخَيْميّ وقال: هذه سرقة عادة لا حاجة.
وانفصل المجلس، وسافر ابن إسرائيل لوقته من الدّيار المصريّة.
وقد طلب القاضي شمس الدّين بْن خَلِّكان، وهو نائب الحكم بالقاهرة، الأبيات من ابن الخَيْميّ، فكتبها لَهُ، وذيّل فِي آخرها أبياتا، وسأله الحكم أيضا بينه وبين من ادّعاها. ووصل بها الذَّيْل، وهو:
والهجر إنْ كَانَ يُرْضيهم بلا سبب ... فإنّه من لذيذ الوصْل محتسبُ
وإنْ هُمُ احتجبوا عنّي فإنّ لهم ... فِي القلب مشهود حُسْن لَيْسَ يحتجبُ
قد نزه اللُّطْفُ والإشراقُ بهجَتَه ... عَنْ أنْ تمنِّعها الأستارُ والحُجُبُ
لا ينتهي نظري منهم إلى رُتَبٍ ... فِي الحُسن إلّا ولاحت فوقها رُتَبُ
وكلّما لاح مَعْنى من جمالهم ... لبّاهُ شوقٍ إلى معناه ينتسبُ
أظلُ دهري ولي من حبّهم طربٌ ... ومن أليم اشتياقي نحوهم حَرَبُ
فالقلب يا صاح منّي بين ذاك وذا ... قلبٌ لمعروف شمس الدّين يُنتهب
إنّ الحديث شجون فاستمعْ عَجَبًا ... حديث ذا الخبر حُسنًا كلّه عَجبُ [١]
بحر محيط بعلم الدّين ذو لَجَج ... أمواجه بذكاء الحُسن تنتهبُ
حقيقة الحكم والحكّام سائرهم ... دون الخليفة هذا الفخر والحسبُ
ينأى عُلُوًّا ويُدْنيه تواضعه ... والشُمُس للنَّفْع تَنْأَى ثمَ تقتربُ
زكيّ الأصول لَهُ بيت علا وغنى ... وطاب لا صَخَبٌ فِيهِ ولا نَصَبُ
إلَيْهِ ترتفع الأبصار خاشعة ... مَهيبةً وهو للأحكام منتصبُ
مولاي أوصافك الحُسْنى قد اشتهرت ... فينا تسير بها الأشعار والخطبُ
وما ذكرت غريبا فِي الثّناء على ... علياك لكنّها العادات والدّرب
[١] حتى هنا في تاريخ ابن الفرات ٨/ ٤٥، ٤٦، ونهاية الأرب ٣١/ ١٤٢، ١٤٣.