للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوصّل إلى أن ولّي فِي سنة سبْع وثمانين وكالة السلطان الملك المنصور، ووكالة بيت المال المعمور، ونظر جميع الأوقاف بدمشق. وشرع فِي فتح أَبُواب الظّلم. وخلع عَلَيْهِ بالطّرحة غير مرّة، وخافه النّاس، وصارت لَهُ صورة كبيرة، وعدا طورَه وظَلَم وعسف وتحامق، حتّى برم بِهِ نائب السلطنة فمن دونه، وكاتبوا فِيهِ، فجاء فِي جمادى الآخرة من هذه السنة مطالعة بالكشف عَنْهُ بما أكل من الأوقاف ومن أموال السلطنة والبرطيل، فرسّموا عَلَيْهِ بالعذراويّة وظهر عَلَيْهِ أشياء، وضُرب بالمقارع، فباع ما يقدر عَلَيْهِ، وحمل مبلغا من المال، وذاق الهوان، واشتفى منه الأعادي.

وكان قد عثّر السّيف السّامريّ وأخذ منه الزّئبقيّة فمضى السيف إلَيْهِ إلى العذراويّة، وتغمّم لَهُ تغمُّم تَشَفٍّ، فقال لَهُ ناصر الدّين: سألتك باللَّه لا تعود تجيء إليَّ، فقال: هُوَ ينصبر لي.

ثم عمل السيف السّامريّ هذه القصيدة:

ورد البشير بما أقرّ الأعينا ... فشفى الصّدور وبلْغ النّاس المُنَى

واستبشروا وتزايدت أفراحهم ... فالكلّ مشتركون فِي هذا الهنا

وتقدّم الأمر الشريف بأخذ ما ... نهب الخؤون من البلاد وما اقتنى

يا سيّد الأمراء يا شمس الهدى ... يا ماضي العزمات يا رحبَ الفنا

عجّل بذبح المقدسيّ وذبحه ... واحقن دماء الإِسْلَام من وُلِد الزّنا

واغْلُظْ عَلَيْهِ ولا ترقّ فكلّ ما ... يَلقَى بما كسبت يداه وما جنى

فَلَكَم يتيم مُدْقِع ويتيمة ... من جوره باتوا عَلَى فرش الضّنا

ولكم غني ظلّ فِي أيّامه ... مسترفدا للنّاس من بعد الغنى

إن أنكر اللّصّ الخبيث فعاله ... بالمسلمين فأوّل القتلى أَنَا

ثمّ جاء مرسوم بحمله إلى مصر، فخافوا من غائلته، فلمّا كَانَ ثالث شعبان أصبح المقدسيّ مشنوقا بعمامته بالعذْراوّية، فحضر جماعة عُدُول وشاهدوا الحال، ودُفن بمقابر الصّوفيّة [١] .


[١] ومولده سنة تسع وعشرين وستمائة تقريبا. قال البرزالي: كتبته من خطّه.