للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَيْسَرَتِهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الأَشْدَقُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنَّا لا نَنَالُ مِنَ الضَّحَّاكِ إلا بِمَكِيدَةً، فَادْعُ إِلَى الْمُوَادَعَةِ، فَإِذَا أَمِنُوا فَكِرَّ عَلَيْهِمْ، فَرَاسَلَهُ مَرْوَانُ، فَأَمْسَكَ الضَّحَّاكُ وَالْقَيْسِيَّةُ عَنِ الْقِتَالِ، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنَّ مَرْوَانَ يُبَايِعُ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَعَدَّ مَرْوَانُ أَصْحَابَهُ وَشَدَّ عَلَى الضَّحَّاكِ، فَفَزِعَ قَوْمُهُ إِلَى رَايَاتِهِمْ، وَنَادَى النَّاسُ:

يَا أَبَا أُنَيْسٍ أعَجْزًا بَعْدَ كَيْسٍ! فَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَعَمْ أَنَا أَبُو أُنَيْسٍ عَجْزٌ لَعَمْري بَعْدَ كَيْسٍ، وَالْتَحَمَ الْحَرْبُ، وَصَبَرَ الضَّحَّاكُ، فَتَرَجَّلَ مَرْوَانُ وَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يُوَلِّيهِمُ الْيَوْمَ ظَهْرَهُ حَتَّى يَكُونَ الأَمْرُ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، فَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَصَبَرَتْ قَيْسُ عَلَى رَايَتِهَا يُقَاتِلُونَ عندها، فَاعْتَرَضَهَا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، فَكَانَ إِذَا سَقَطَتِ الرَّايَةُ تَفَرَّقَ أَهْلُهَا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَنَادَى مُنَادِي مَرْوَانَ لا تَتَّبِعُوا مُوَلِّيًا [١] .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قُتِلَتْ قَيْسُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْ مِنْهَا قَطُّ، وَذَلِكَ في نصف ذي الحجّة سنة أربع ستين [٢] .

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ الْكَلْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ مَقْتَلَ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَرَّ بِنَا زَحْنَةُ [٣] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيُّ، لا يَطْعَنُ أَحَدًا إِلا صَرَعَهُ، إذ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ فَطَعَنَهُ فَصَرَعَهُ، فَأَتَيْتُهُ فِإذَا هُوَ الضَّحَّاكُ، فَاحْتَزَزْتُ رَأْسُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَرْوَانَ، فَكَرِهَ قَتْلَهُ، وَقَالَ: الآنَ حِينَ كَبِرَتْ سِنِّي واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض، وأمر لي بجائزة [٤] .


[١] الخبر بطوله في تهذيب تاريخ دمشق ٧/ ١٠- ١٢، وانظر: تاريخ الطبري ٥/ ٥٣١- ٥٣٤.
[٢] تاريخ الطبري ٥/ ٥٣٤.
[٣] في الأصل «زحمة» والتصحيح من تاريخ الطبري ٥/ ٥٣٨ والقاموس المحيط.
[٤] تاريخ الطبري ٥/ ٥٣٨، تهذيب تاريخ دمشق ٧/ ١٢.