للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقُبِضَ الْمَجْنُونُ بِكِلْتَيْ يَدَيْهِ مِنَ الْجَمْرِ، فَلْمَ يَزَلْ حَتَّى سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ [١] .

وَكَانَتْ لَهُ داية يَأْنَسُ بِهَا، فَكَانَتْ تَحْمِلُ إِلَيْهِ إِلَى الصَّحْرَاءِ رَغِيفًا وَكُوزًا، فَرُبَّمَا أَكَلَ وَرُبَّمَا تَرَكَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ يَوْمًا فَوَجَدَتْهُ مُلْقًى بَيْنَ الأَحْجَارِ مَيِّتًا، فَاحْتَمَلُوهُ إِلَى الْحَيِّ فَغَسَّلُوهُ وَدَفَنُوهُ، وَكَثُرَ بُكَاءُ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ عَلَيْهِ، وَاشْتَدَّ نَشِيجُهُمْ [٢] .

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي «الْمُنْتَظِمِ» [٣] : رُوِينَا أَنَّهُ كَانَ يَهِمُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْوَحْشِ يَأْكُلُ مِنْ بَقْلِ الأَرْضِ، وَطَالَ شَعْرُهُ، وَأَلِفَهُ الْوَحْشُ، وَسَارَ حَتَّى بَلَغَ حُدُودَ الشَّامِ، فَكَانَ إِذَا ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، سَأَلَ مَنْ يَمُرُّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَنْ نَجْدٍ، فَيُقَالُ لَهُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ نَجْدٍ، أَنْتَ قَدْ شَارَفْتَ الشَّامَ، فَيَقُولُ: أَرُونِي الطَّرِيقَ، فَيَدُلُّونَهُ [٤] .

وَشِعْرُ الْمَجْنُونِ كَثِيرٌ سَائِرٌ، وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فِي الْحُسْنِ وَالرِّقَّةِ، وَكَانَ مُعَاصِرًا لِقَيْسِ بْنِ ذَرِيحٍ صَاحِبِ لُبْنَى، وَكَانَ في إمرة ابن الزبير، والله أعلم.


[١] الأغاني ٢/ ٢٥.
[٢] انظر: الأغاني ٢/ ٩٠.
[٣] في القسم الّذي لم ينشر بعد.
[٤] انظر: الأغاني ٢/ ٥٢.