للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى الْحَجَّاجِ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ [١] ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِمَّنْ فَارَقَهُ وَلَعَلَّهُ مِنَ الْجُوعِ ابْنَاهُ حَمْزَةُ وَخُبَيْبٌ، فَخَرَجَا إِلَى الْحَجّاجِ وَطَلَبَا أَمَانًا لِأَنْفُسِهِمَا.

فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ [٢] ، عَنْ مُحَمَّدِ [٣] بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ وَقَالَ: يَا أُمَّهْ خَذَلَنِي النَّاسُ حَتَّى وَلَدَيْ وَأَهْلِي، وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ دَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونِي مَا أَرَدْتُ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا رَأْيُكِ؟ قَالَتْ: أَنْتَ أَعْلَمُ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَإِلَيْهِ تَدْعُو فَامْضِ لَهُ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ، وَلا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَتَلَعَّبُ بِهَا غِلْمَانُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ، أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَمَنْ قُتِلَ مَعَكَ. فَقَبَّلَ رأسها وقال: هذا رأيي الَّذِي قُمْتُ بِهِ، مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا، وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إلا الْغَضَبُ للَّه، فَانْظُرِي فَإِنِّي مَقْتُولٌ، فَلا يَشْتَدُّ حُزْنُكِ، وَسَلِّمِي لِأَمْرِ اللَّهِ، فِي كَلامٍ طَوِيلٍ بَيْنَهُمَا [٤] .

وَقَالَ: وَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ فِيهِمْ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي أَجَمَةٍ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيَقُولُ:

٩ لَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ [٥] .

وَبَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ سَابِعَ عَشْرَ جُمَادَى الأُولَى [٦] وَقَد أَخَذَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ بِالأَبْوَابِ، فَبَاتَ يُصَلِّي عَامَّةَ اللَّيْلِ، ثُمَّ احْتَبَى بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ فَأَغْفَى، ثُمَّ انْتَبَهَ بالفجر، فصلّى الصبح فقرأ: (ن والقلم) حَرْفًا حَرْفًا، ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، وأوصى بالثّبات [٧] .


[١] تاريخ الطبري ٦/ ١٨٨.
[٢] في طبعة القدسي ٣/ ١١٥ «ابن أبي الزناد» .
[٣] هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري «مخرمة» . انظر عنه في: تهذيب ١٠/ ٧١ رقم ١٢١.
[٤] الخبر بطوله في تاريخ الطبري ٦/ ١٨٨، ١٨٩، والكامل في التاريخ ٤/ ٣٥٢، ٣٥٣، وانظر بعضه في: أنساب الأشراف ٥/ ٣٦٤، وتاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٦٧.
[٥] الخبر في تاريخ الطبري ٦/ ١٩٠، ١٩١، وشطر البيت لدويد بن زيد. انظر: طبقات الشعراء لابن سلام ٢٨.
[٦] في نسخة دار الكتب المصرية «جمادى الآخرة» ، وكذا أثبتها القدسي- رحمه الله- في طبعته ٣/ ١١٥، وما أثبتناه عن نسخة الأصل، وهو يتّفق مع الطبري.
[٧] تاريخ الطبري ٦/ ١٩١.