للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ الْحَجَّاجَ حِينَ قَدِمَ الْعِرَاقَ، فَبَدَأَ بِالْكُوفَةِ، فَنُودِيَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَالْحَجَّاجُ مُتَقَلِّدٌ قَوْسًا عَرَبِيَّةً وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ حَمْرَاءُ مُتَلَثِّمًا، فَقَعَدَ وَعَرَضَ الْقَوْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُهُ الْعَيُّ، وَأَخَذْتُ فِي يَدِي كَفًّا مِنْ حَصًى أَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ وَجْهَهُ، فَقَامَ فَوَضَعَ نِقَابَهُ، وَتَقَلَّدَ قَوْسَهُ، وَقَالَ:

أَنَا ابْنُ جَلا وَطَلاعُ الثَّنَايَا ... مَتَى أَضَعُ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي [١]

إني لأرى رءوسا قَدْ أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بَيْنَ الْعَمَائِمُ وَاللِّحَى [٢] .

لَيْسَ بَعِشَّكِ فَادْرِجِي ... قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا فَشَمِّرِي [٣]

. هَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ [٤] فَاشْتَدِّي زِيَمْ [٥] ... قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ [٦]

لَيْسَ بِرَاعِي إِبِلٍ وَلا غَنَمْ ... وَلا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ [٧]


[١] البيت من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي، رواها الأصمعيّ في: الأصمعيّات- طبعة لا يبزغ- ص ٧٣، وهو في: تاريخ الطبري ٦/ ٢٠٢، وعيون الأخبار ٢/ ٢٤٣، والكامل في التاريخ ٤/ ٣٧٥، والعقد الفريد ٤/ ١٢٠، و ٥/ ١٧، والأغاني ١٢/ طبعة بولاق، والفتوح لابن أعثم ٧/ ٥.
[٢] تاريخ الطبري ٦/ ٢٠٣ وفي العقد الفريد ٤/ ١٢٠ و ٥/ ١٨ زيادة: «بين العمائم واللّحى تترقرق» ، وانظر: مروج الذهب ٣/ ١٣٤.
[٣] العقد الفريد ٤/ ١٢٠، وفي تاريخ الطبري ٦/ ٢٠٣، والكامل في التاريخ ٤/ ٣٧٥ «تشميرا» ، وفي البيان والتبيين ٢/ ٢٢٤: «فشمّرا» .
[٤] في العقد الفريد، والأغاني: «الشّدّ» وكذا في البيان والتبيين.
[٥] زيم: اسم فرس أو ناقة.
[٦] الحطيم: الراعي الظلوم للماشية.
[٧] الوضم: كل ما قطع عليه اللحم.
والبيتان من شعر رشيد بن رميض العنزي يقوله في الحطم، وهو شريح بن ضبيعة. وكان شريح غزا اليمن في جموع جمعها فغنم بعد حرب بينه وبين كندة، أسر فيها فرعان بن مهديّ بن معديكرب عمّ الأشعث بن قيس، وأخذ على طريق مفازة، فضلّ بهم دليلهم، ثم هرب منهم ومات فرعان في أيديهم عطشا، وهلك منهم ناس كثير بالعطش. وجعل الحطم يسوق بأصحابه سوقا عنيفا، حتى نجوا ووردوا الماء: فقال فيه رشيد هذا الشعر.