للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُمَرُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمِّهِ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ تُسْتَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ تُسْتَرَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا، يَعْنِي الأَحْنَفَ، الَّذِي كَفَّ عَنَّا بَنِي مُرَّةَ حِينَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا هَمُّوا بِنَا، قَالَ الأَحْنَفُ: فَحَبَسَنِي عُمَرُ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً، يَأْتِينِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلا يَأْتِيهِ عَنِّي إِلا مَا يُحِبُّ، فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ السَّنَةِ دَعَانِي فَقَالَ: يَا أَحْنَفُ هَلْ تَدْرِي لِمَ حَبَسْتُكَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَنَا [١] كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمٍ [٢] ، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، فَاحْمِدِ اللَّهَ يَا أَحْنَفُ.

قُلْتُ: وَكَانَ الأَحْنَفُ فَصِيحًا مُفَوَّهًا.

قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ [٣] : هُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ، وَكَانَ أَعْوَرَ أَحْنَفَ، دَمِيمًا [٤] قَصِيرًا كَوْسَجًا [٥] ، لَهُ بَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ [٦] ، حَبَسَهُ عُمَرُ عِنْدَهُ سَنَةً يَخْتَبِرْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ السَّيِّدُ.

قُلْتُ: ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِسَمَرْقَنْدَ. ذَكَرَهُ الْهَيْثَمُ [٧] .

وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَ الأَحْنَفُ عِنْدَ عُمَرَ، فَأَعْجَبَهُ مَنْطِقُهُ، فَقَالَ: كُنْتَ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مُنَافِقًا عَالِمًا، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنًا، فَانْحَدِرْ إلى مصرك.


[١] في الأصل «حدّثنا» وهو تحريف.
[٢] أخرج أحمد في مسندة ١/ ٢٢ و ٤٤ حديثا من طريق: ديلم بن غزوان العبديّ، حدثنا ميمون الكردي، عن أبي عثمان النهدي، قال: اني لجالس تحت منبر عمر، وهو يخطب الناس، فقال في خطبته: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إني أخوف ما أخاف على هذه الأمة، كل منافق عليم اللسان» . سنده قويّ. والحديث في تهذيب تاريخ دمشق ٧/ ١٣، ١٤.
[٣] تاريخ الثقات ٥٧ رقم ٤٩.
[٤] في تاريخ الثقات «دهما» بدل «دميما» .
[٥] الكوسج: الّذي لا شعر على عارضيه.
[٦] قال ابن حبّان في الثقات ٤/ ٥٦ إن الأحنف ولد ملتصق الأليتين حتى شقّ.
[٧] تهذيب الكمال ٢/ ٢٨٦، وهو في تهذيب تاريخ دمشق ٧/ ٢٦.