للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُمِّيِّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَاقٍ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ حَاجَتُكَ أَوْ جُلُّهَا فِي أُمَّتِكَ فَافْعَلْ.

قَالَ: ثُمَّ انْدَفَعْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَنَزَلْتُ فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي فِي بَابِ الْمَسْجِدِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ النَّبِيِّينَ مَا بَيْنَ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، ثُمَّ أُتِيتُ بِكَأْسَيْنِ مِنْ عَسَلٍ وَلَبَنٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَضَرَبَ جِبْرِيلُ مَنْكِبِي وَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا فَأَقْبَلْنَا ... هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ [١] .

فَإِنْ قِيلَ: فقد صحّ عن ثابت، وسليمان التّميميّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى يُصَلِّي، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى قَالَ: فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ» . وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَقِيَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ رَأَى هؤلاء الأنبياء في السموات، وَأَنَّهُ رَاجَعَ مُوسَى؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ مُثِّلُوا لَهُ، فَرَآهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَرَأَى مُوسَى فِي مَسِيرِهِ قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَآهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ هُوَ وَغَيْرَهُ، فَعُرِجَ بِهِمْ، كَمَا عُرِجَ بِنَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى الْجَمِيعِ وَسَلَامُهُ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَحَيَاةِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَيْسَتْ حَيَاتُهُمْ كَحَيَاةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلَا حَيَاةِ أَهْلِ الْآخِرَةِ، بَلْ لَوْنٌ آخَرُ، كَمَا وَرَدَ أَنَّ حياة الشهداء


[١] رواه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١/ ٣٨٦، ٣٨٧.