للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُولُ لَكَ: إِنِّي غَيْرُ تَارِكِكَ أَبَدًا حَتَّى تُبَايِعَنِي، أَوْ أُعِيدُكَ فِي الْحَبْسِ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْكَذَّابَ الَّذِي كُنْتَ تَدَّعِي نُصْرَتَهُ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِرَاقَ عَلَيَّ، فَبَايِعْ، وَإِلا فَهِيَ الْحَرْبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. فَقَالَ: مَا أَسْرَعُ أَخَاكَ إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ وَالاسْتِخْفَافِ بِالْحَقِّ، وَأَغْفَلَهُ مِنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ، مَا يَشُكُّ أَخُوكَ فِي الْخُلُودِ، وَاللَّهِ مَا بَعَثْتُ الْمُخْتَارَ دَاعِيًا وَلا نَاصِرًا، وَلِلْمُخْتَارُ كَانَ أَشَدَّ انْقِطَاعًا إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْنَا، فَإِنْ كَانَ كَذَّابًا فَطَالَمَا قَرَّ بِهِ عَلَى كَذِبِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَمَا عِنْدِي خِلَافٌ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خِلَافٌ مَا أَقَمْتُ فِي جِوَارِهِ، وَلَخَرَجْتُ إِلَى مَنْ يَدْعُونِي، وَلَكِنْ هَاهُنَا، وَاللَّهِ لِأَخِيكَ قَرْنٌ يَطْلُبُ مِثْلَ مَا يَطْلُبُ أَخُوكَ، كِلاهُمَا يُقَاتِلانِ عَلَى الدُّنْيَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ بِجُيُوشِهِ قَدْ أَحَاطَتْ بِرَقَبَةِ أَخِيكَ، وَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّ جِوَارَ عَبْدَ الْمَلِكِ خَيْرٌ لِي مِنْ جِوَارِ أَخِيكَ، وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ يَعْرِضُ عَلَيَّ مَا قِبَلِهِ وَيَدْعُونِي إِلَيْهِ.

قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِكَ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: وَاللَّهِ لَوْ أَطَعْتَنَا لَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ: وَعَلَى مَاذَا! جَاءَ بِرِسَالَةٍ مِنْ أَخِيهِ، وَلَيْسَ فِي الْغَدْرِ خَيْرٌ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رأيي لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ كُلُّهُمْ إِلا إِنْسَانٌ وَاحِدٌ لَمَا قَاتَلْتُهُ. فَانْصَرَفَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَ أَخَاهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَعْرِضَ لَهُ، دَعْهُ فَلْيَخْرُجْ عَنْكَ، وَيَغِيِب وَجْهَهُ، فَعَبْدُ الْمَلِكِ أَمَامَهُ لا يَتْرُكُهُ يَحُلُّ بِالشَّامِ حَتَّى يُبَايِعَهُ، وَهُوَ لا يَفْعَلُ أَبَدًا، حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَإِمَّا حَبَسَهُ أَوْ قَتَلَهُ.

وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ [١] : ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَسِرْنَا مِنَ الطَّائِفِ إِلَى أَيْلَةَ [٢] ، بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ كَتَبَ لِمُحَمَّدٍ عَهْدًا، عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي أَرْضِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَصْطَلِحَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ الشَّامَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِمَّا أَنْ تبايعني، وإمّا أن تخرج من أرضي،


[١] بالأصل «التبوزكي» ، والتصحيح من (اللباب في الأنساب لابن الأثير ج ١ ص ١٦٩) وهي بفتح التاء وضم الباء وفتح الذال.
[٢] هي مدينة العقبة الآن برأس خليج العقبة الأردني.