للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكُلُّهُمْ رُءُوسُ الْعَرَبِ؟! قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَمَا أَعْطَيْتُكَ مِائَةَ أَلْفٍ تُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ؟! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا أَخْرَجَكَ عَلَيَّ؟! قَالَ: بَيْعَةٌ كَانَتْ فِي عُنُقِي لابْنِ الأَشْعَثِ. فَغَضِبَ الْحَجَّاجُ وَقَالَ: أَمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُنُقِكَ مِنْ قَبْلُ! يَا حَرَسِيُّ اضْرِبْ عُنُقَهُ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ بِوَاسِطٍ، وَقَبْرُهُ ظَاهِرٌ يُزَارُ [١] .

وَقَالَ مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لا يَرَى التَّقِيَّةَ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ إِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ قَالَ لَهُ: أَكَفَرْتَ إِذْ خَرَجْتَ عَلَيَّ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، تَرَكَهُ، وَإِنْ قَالَ: لا، قَتَلَهُ، فَأُتِيَ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فقال لَهُ: أَكَفَرْتَ إِذْ خَرَجْتَ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَا كَفَرْتُ مُنْذُ آمَنْتُ. قَالَ:

اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ أَقْتُلُكَ؟ فَقَالَ: اختَرْ أَنْتَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ أَمَامَكَ [٢] .

وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مِنَ الْعُبَّادِ الْعُلَمَاءِ، فَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ، وَجَدَهُ فِي الْكَعْبَةِ وَنَاسًا فِيهِمْ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، فَسَارُوا بِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ، فَقَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ، إِلا بِالْعِبَادَةِ، فَلَمَّا قتل سَعِيدًا خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ، حَتَّى رَاعَ الْحَجَّاجَ، فَدَعَا طَبِيبًا، فَقَالَ: مَا بَالُ دَمِهِ كَثِيرًا؟! قَالَ: قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَهُ [٣] .

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَاتَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ محتاج إلى علمه [٤] .


[١] انظر: البدء والتاريخ ٦/ ٣٩، وفيات الأعيان ٢/ ٣٧٣، الوافي بالوفيات ١٥/ ٢٠٧، سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٢٨، البداية والنهاية ٩/ ٩٦
[٢] السير ٤/ ٣٣٨، تهذيب الأسماء واللغات ١/ ٢١٧.
[٣] وفيات الأعيان ٢/ ٣٧٤، السير ٤/ ٣٤١، مرآة الجنان ١/ ١٩٨. وفي الوافي بالوفيات: قالوا هذه قتلته ونفسه معه والدم يتبع النفس، ومن كنت تقتله غيره كانت نفسه تذهب من الخوف فلذلك قلّ دمهم (١٥/ ٢٠٧) وفي شذرات الذهب ١/ ١٠٨ «يعني لم يرعه القتل» .
[٤] المعرفة والتاريخ ١/ ٧١٢، ٧١٣ الطبقات الكبرى ٦/ ٢٦٦، حلية الأولياء ٤/ ٢٧٣، السير ٤/ ٣٢٥، التذكرة ١/ ٧٧، وفيات الأعيان ٢/ ٣٧٤، مرآة الجنان ١/ ١٩٧.