مما يقف منه الشّعر ولا ينبغي أن يوجّه إليه النّظر ما قاله بعض المفسّرين في قوله تعالى: «ننسها» إنّه إنساء الله تعالى المسلمين للآية أو للسّورة، أي إذهابها عن قلوبهم أو إنساؤه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إيّاها فيكون نسيان النّاس كلّهم لها في وقت واحد دليلا على النّسخ، واستدلّوا لذلك بحديث أخرجه الطّبرانيّ بسنده إلى ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما إيّاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقاما ذات ليلة يصلّيان، فلم يقدرا منها على حرف، فغديا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فذكرا ذلك له، فقال لهما: إنّها ممّا نسخ وأنسي، فالهوا عنها. قال ابن كثير: هذا الحديث في سنده «سليمان بن أرقم» وهو ضعيف: وقال ابن عطيّة: هذا حديث منكر غرب به الطّبرانيّ، وكيف خفي مثله على أئمّة الحديث. والصحيح أنّ نسيان النّبيّ ما أراد الله نسخه، ولم يرد أن يثبّته قرآنا جائز، أي لكنّه لم يقع. فأمّا النّسيان الّذي هو آفة في البشر، فالنّبيّ معصوم عنه قبل التبليغ، وأمّا بعد التبليغ وحفظ المسلمين له فجائز. وقد روي أنّه أسقط آية من سورة في الصّلاة، فلمّا فرغ قال لأبيّ: لم لم تذكّرني؟ قال: حسبت أنّها رفعت. قال: لا، ولكنّي نسيتها أهـ. والحقّ عندي أنّ النّسيان العارض الّذي يتذكّر بعده جائز، ولا تحمل عليه الآية، لمنافاته لظاهر قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ٢: ١٠٦، وأمّا النّسيان المستمرّ للقرآن فأحسب أنّه لا يجوز. وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ٨٧: ٦، دليل عليه. وأمّا ما ورد في «صحيح مسلم» عن أنس قال: كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطّول ببراءة، فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا، وما يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» أهـ. فهو غريب، وتأويله أنّ هنالك سورة نسخت قراءتها وأحكامها، ونسيان المسلمين لما نسخ لفظه من القرآن غير عجيب، على أنّه حديث غريب. [٢] رواه البخاري في المناقب ٤/ ١٦٥ باب صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومسلم (٢٣٣٧/ ٩٣) في كتاب الفضائل، باب في صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنه كان أحسن الناس وجها.