ثُمَّ سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى فِلَسْطِينَ وَجَهَّزَ أَخَاهُ صَالِحًا لِيَفْتَتِحَ مِصْرَ وَسَيَّرَ مَعَهُ أَبَا عَوْنٍ الأَزْدِيَّ وَعَامِرَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْحَارِثِيَّ وَابْنَ قَنَانٍ، فَسَارُوا عَلَى السَّاحِلِ، فَافْتَتَحُوا الإِقْلِيمَ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ أَبُو عَوْنٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى نَهْرِ أَبِي فُطْرُسٍ [١] وَقَتَلَ هُنَاكَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ خَاصَّةً اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ نَفْسًا صَبْرًا.
وَلَمَّا رَأَى النَّاسُ جُورَ الْمُسَوِّدَةِ وَجَبَرُوتَهُمْ كَرِهُوهُمْ فَثَارَ الأمير أبو الورد مجزأة ابن كَوْثَرٍ الْكِلابِيُّ أَحَدُ الأَبْطَالِ بِقَنَّسْرِينَ وَبَيَّضَ وَبَيَّضَ مَعَهُ أَهْلُ قِنَّسْرِينَ كُلُّهُمْ، وَاشْتَغَلَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِحَرْبِ حَبِيبِ بْنِ مُرَّةَ الْمُرِّيُّ بِالْبَلْقَاءِ وَالثَنِيَّةِ وَتَمَّ لَهُ مَعَهُ وَقَعَاتٌ، ثم هادنه عبد الله وتوجّه نحو قنّسرين وَخَلَفَ بِدِمَشْقَ أَبَا غَانِمٍ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ رِبْعِيٍّ الطَّائِيَّ فِي أَرْبَعَةِ آلافِ فَارِسٍ، وَسَارَ فَمَا بَلَغَ حِمْصَ حَتَّى انْتَقَضَ عَلَيْهِ أَهْلُ دِمَشْقَ وَبَيَّضُوا وَنَبَذُوا السَّوَادَ وَكَانَ رَأْسُهُمُ الأَمِيرُ عثمان ابن عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ سُرَاقَةَ الأَزْدِيُّ، فَهَزَمُوا أَبَا غَانِمٍ وَأَثْخَنُوا فِي أَصْحَابِهِ وَأَقْبَلَتْ جُمُوعُ الْحَلَبِيِّينَ وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْحِمْصِيُّونَ وَأَهْلُ تَدْمُرَ، وَعَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ أبو محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ السُّفْيَانِيُّ وَصَارَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَأَبُو الْوَرْدِ كَالْوَزِيرِ لَهُ، فَجَهَّزَ عَبْدُ اللَّهِ لِحَرْبِهِمْ أَخَاهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلِيٍّ فِي عَشَرَةِ آلافٍ، فَالْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاسْتَمَرَّ الْقَتْلُ بِالْفَرِيقَيْنِ، وَانْكَشَفَ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَذَهَبَ تَحْتَ السَّيْفِ مِنْ جَيْشِهِ أُلُوفٌ، وَانْتَصَرَ السُّفْيَانِيُّ، فَقَصَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ حُمَيْدُ بْنُ قُحْطُبَةَ فَالْتَقَوْا، وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَاسْتَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ فَثَبَتَ أَبُو الْوَرْدِ فِي خَمْسِمِائَةٍ فَرَاحُوا تَحْتَ السَّيْفِ كُلُّهُمْ وَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ إِلَى تَدْمُرَ وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ عَظُمَتْ هَيْبَتُهُ فَتَفَرَّقَتْ كَلِمَةُ أَهْلِهَا وَهَرَبُوا فَآمَّنَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ وَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ إِلَى الْحِجَازِ وَأَضْمَرَتْهُ الْبِلادُ إِلَى أَنْ قُتِلَ فِي دَوْلَةِ الْمَنْصُورِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي الْمَدِينَةِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ خَيْلا فَظَفِرُوا بِهِ وَقَتَلُوهُ وَأَسَرُوا وَلَدَيْهِ فعفا عنهما المنصور وخلّاهما.
[١] قرب الرملة، يصب في البحر الملح بقرب يافا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute