للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ: سَمِعْتُ مَشْيَخَةً يَقُولُونَ: كَانَ الْحَسَنُ يَجْلِسُ يَذْكُرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَكَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يَقْعُدُ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يَأْتِيهِ فِيهِ أَهْلُ الدُّنْيَا وَالتُّجَّارُ وَهُوَ غَافِلٌ عَمَّا فِيهِ الْحَسَنُ لا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَقَالَتِهِ إِلَى أَنِ الْتَفَتَ يوما فقال «أين برهمي درآيد درآيد خلوت [١] » فَقِيلَ: وَاللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَيَذْكُرُ النَّارَ وَيُرَغِّبُ فِي الآخِرَةِ وَيُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، فَوَقَرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ، فَقَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ جُلَسَاءُ الْحَسَنِ:

هَذَا حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكَ فَعِظْهُ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:

«أَيْنَ همي كَوئي بركَوي [٢] » فَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْشِ يَقُولُ؟ قِيلَ: يَقُولُ:

هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَيْشِ تَقُولُ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ فَذَكَّرَهُ الْجَنَّةَ وَخَوَّفَهُ النَّارَ وَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ: «إين كَوئي [٣] » قَالَ الْحَسَنُ: أَنَا ضَامِنٌ لَكَ عَلَى اللَّهِ ذَلِكَ، فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ جَعَلَ بَعْدُ يَسْتَقِرضُ عَلَى اللَّهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ لَنَا: كَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يَأْخُذُ مَتَاعًا مِنَ التُّجَّارِ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَأَخَذَ مرة فلم يجد ما يعطيهم فقال:

يا رب كَأَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مُنْكَسِرٌ وَجْهِي عِنْدَهُمْ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بَجَوَالِقَ مِنْ شَعْرٍ كَأَنَّهُ نُصِبَ مِنْ أَرْضِ الْبَيْتِ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ السَّقْفِ مليء دراهم فقال: يا رب لَيْسَ أُرِيدُ هَذَا فَأَخَذَ حَاجَتَهُ وَتَرَكَ الْبَقِيَّةَ، وَقَالَ: سَارَ بِنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: كُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ مَجْلِسِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَنَأْتِي حَبِيبًا أَبَا مُحَمَّدٍ فَيَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَإِذَا وَقَعَتْ قَامَ فَتَعَلَّقَ بِقَرْنٍ مُعَلَّقٍ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَقُولُ:

هَا قَدْ تَغَذَّيْتُ وَطَابَتْ نَفْسي فَلَيْسَ فِي الْحَيِّ غُلامٌ مِثْلِي إِلا غُلامٌ قد تغذّى قبلي


[١] في الأصل «درايذ درايذ خلويذ» .
[٢] التصويب عن نسخة القدسي ٥/ ٣٣٤.
[٣] التصويب عن المرجع نفسه.