للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْمَنْصُورَ حَجَّ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ [١] .

وَعَزَلَ عَنِ الْكُوفَةِ عِيسَى بْنَ مُوسَى، وَطَلَبَهُ إِلَى بغداد، فدفع إليه عبد الله ابن عَلِيٍّ سِرًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عِيسَى، إِنَّ هَذَا أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ النِّعْمَةَ عَنِّي وَعَنْكَ، وَأَنْتَ وَلِيُّ عَهْدِي بَعْدَ الْمَهْدِيِّ، وَالْخِلافَةُ صَائِرَةٌ إليك، فخذ، وَاقْتُلْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخُورَ أَوْ تَضْعُفَ، وَسَلِّمْهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ طُرُقِ الْحَجِّ يَسْأَلُهُ: مَا فَعَلْتَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: قَدْ أَنْفَذْتَ مَا أَمَرْتَ بِهِ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَكَانَ عِيسَى قَدْ سَتَرَهُ عِنْدَهُ، وَدَعَا كَاتِبَهُ يُونُسَ بْنَ فَرْوَةَ فَقَالَ: مَا تَرَى؟

قَالَ: أَمَرَكَ بِقَتْلِهِ سِرًّا، وَيَدَّعِيهِ عَلَيْكَ عَلانِيَةً، ثُمَّ يُقَيِّدُكَ بِهِ. قَالَ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: أُستُرْهُ وَاخْفِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَنْصُورَ دَسَّ إِلَى عُمُومَتِهِ مَنْ يُحَرِّكُهُمْ عَلَى مَسْأَلَةِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، فَكَلَّمُوا الْمَنُصوَر، فَقَالَ: عَلَيَّ بِعِيسَى، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي دَفَعْتُ إِلَيْكَ عَمِّي لِيَكُونَ فِي مَنْزِلِكَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: قَدْ كَلَّمَنِي فِيهِ أَعْمَامِي، فَرَأَيْتُ الصَّفْحَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَوَ لَمْ تَأْمُرْنِي بِقَتْلِهِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: قَدْ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ!. قَالَ: كَذَبْتَ، فَقَالَ لِعُمُومَتِهِ:

إِنَّ هَذَا قَدْ أَقَرَّ لَكُمْ بِقَتْلِ أَخِيكُمْ، قَالُوا: فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ بِهِ، قَالَ: فَشَأْنُكُمْ بِهِ، فَأَخْرَجُوهُ إِلَى الرَّحْبَةِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَشَهَرَ الأَمْرُ، فَقَامَ أَحَدُهُمْ وَشَهَرَ سَيْفَهُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَفَاعِلٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لا تَعْجَلُوا، ثُمَّ أَحْضَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ وَقَالَ لِلْمَنْصُورِ: شَأْنُكَ بِعَمِّكَ، قَالَ: فَأَدْخِلُوهُ حَتَّى أَرَى فِيهِ رَأْيِي، فَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ كَانَ أَمْرُهُ مَا كان [٢] .


[١] تاريخ خليفة ٤٢٤. الطبري. ابن الأثير ٥/ ٥٨٣.
[٢] الطبري ٨/ ٧- ٩.