للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ فَانْتَهَشَ [١] مِنَ الذِّرَاعِ، وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ عَظْمًا آخَرَ، فَانْتَهَشَ مِنْهُ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُقْمَةً قَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّ هَذِهِ الذِّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» فَقَالَ بِشْرٌ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِي، فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَلْفُظَهَا إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُبْغِضَ إِلَيْكَ طَعَامَكَ، فَلَمَّا أَكَلْتَ مَا فِي فِيكَ لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكَ، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ ازْدَرَدْتَهَا وَفِيهَا بَغْيٌ، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً وَمَاتَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَرِمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ؟ قَالَتْ: نِلْتَ مِنْ قَوْمِي، وَقَتَلْتَ أَبِي وَعَمِّي وَزَوْجِي، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَتُخْبِرُهُ الذِّرَاعُ، وَإِنْ كَانَ مَلَكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ، فَدَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ بِشْرٍ يَقْتُلُونَهَا. وَهُوَ الثَّبْتُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ. حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِقَرْنٍ وَشَفْرَةٍ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ.

وَكَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَقُولُ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا بِخَيْبَرَ، وَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي، وَفِي لَفْظٍ: مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ يُعَاوِدُنِي أَلَمُ سُمِّهَا- وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ- وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ. وَأَصْلُ الحديث في «الصحيح» [٢] .


[١] النّهس: أخذ اللّحم بأطراف الأسنان. والنّهش: الأخذ بجميعها. (النهاية لابن الأثير) .
[٢] انظر: صحيح البخاري ٥/ ٨٤ في المغازي، باب الشاة التي سمّت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، و ٣/ ١٤١ في الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، ومسلم (٢١٩٠) في السلام، باب السّمّ، وأبو داود في الديات (٤٥٠٨) و (٤٥٠٩) و (٤٥١٠) و (٤٥١١) و (٤٥١٢) و (٤٥١٣) و (٤٥١٤) باب فيمن سقى رجلا سمّا أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟، وابن ماجة، في الطب (٣٥٤٦) باب السحر، وأحمد في المسند ١/ ٣٠٥ و ٣٧٣، وابن هشام في السيرة النبويّة ٤/ ٤٤، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٢٩٥، ٢٩٦ باب ما جاء في الشاة المسمومة، وقال: رواه الطبراني والبزّار، والحديث بكاملة في طبقات ابن سعد ٢/ ٢٠٢، ٢٠٣.