للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ صَبِيًّا فَإِذَا سَمِعْتُ أَبَوَيَّ يَسُبَّانِ عَلِيًّا خَرَجْتُ عَنْهُمَا فَأَبْقَى جَائِعًا، فَإِذَا أَجْهَدَنِي الْجُوعُ جِئْتُ فَأَكَلْتُ. فَلَمَّا كَبُرْتُ قَلَيْلا قُلْتُ الشِّعْرَ، وَخَرَجْتُ عَنْهُمَا فَتَوَعَّدَانِي بِالْقَتْلِ، فَأَتَيْتُ الأَمِيرَ فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي.

وَقِيلَ إِنَّ الْمَنْصُورَ اسْتَحَضَرَهُ فَقَالَ: أَنْشِدْنِي قَوْلَكَ فِينَا فِي الْقَصِيدَةِ الْمِيمِيَّةِ الَّتِي أَوَّلُهَا: أَتَعْرِفُ دَارًا عَفَى رَسْمُهَا، فَقَالَ:

فَدَعْ ذَا وَقُلْ فِي بَنِي هَاشِمٍ ... فَإِنَّكَ باللَّه تَسْتَعْصِمُ

بَنِي هَاشِمٍ حُبُّكُمْ قُرْبَةٌ ... وَحُبُّكُمُ خَيْرُ مَا نَعْلَمُ

بِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ بَابَ الْهُدَى ... كَذَاكَ غَدًا بِكُمُ يُخْتَمُ

أُلامُ وَأَلْقَى الأَذَى فِيكُمُ ... أَلا لا يني فيكم اللّوّم

وما لي ذَنْبٌ يَعُدُّونَهُ ... سِوَى أَنَّنِي بِكُمْ مُغْرَمُ

وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُمْ مَآثِمِي ... مَا أَثِمَ فِرْعَوْنُ بَلْ أَعْظَمُ

فَلا زِلْتُ عِنْدَكُمُ مُرْتَضًى ... كَمَا أَنَا عِنْدَهُمْ مُجْرِمُ

جَعَلْتُ ثَنَائِي وَمَدْحِي لَكُمْ ... عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الَّذِي يُرْغِمُ

فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَا أَظُنُّ إِلا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَيَّدَكَ فِي مَدْحِ بَنِي هَاشِمٍ كَمَا أَيَّدَ حَسَّانَ فِي مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ يَرَى رَأْيَ الْكَيْسَانِيَّةِ فِي رَجْعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الدُّنْيَا، وَهُوَ الْقَائِلُ فِيهِ:

بَانَ الشَّبَابُ وَرَقَّ عَظْمِي وَانْحَنَى ... صَدْرُ الْفَتَاةِ وَشَابَ مِنِّي الْمَفْرِقُ

يَا شِعْبَ رَضْوَى مَا لِمَنْ بِكَ لا يُرَى ... وَنَبَا إِلَيْهِ مِنَ الصَّبَابَةِ أَوْلَقُ

حَتَّى مَتَى؟ وَإِلَى مَتَى؟ وَكَمِ [١] الْمَدَى؟ ... يَا ابْنَ الرِّضَى وَأَنْتَ حَيٌّ تُرْزَقُ

إِنِّي لَآمُلُ أَنْ أَرَاكَ فَإِنَّنِي ... مِنْ أَنْ أَرَاكَ وَلا أَرَاكَ لأَفْرُقُ

وَيُقَالُ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، فَعَرَّفَهُ خطأه، وأنّه على ضلالة، فرجع وأناب [٢] .


[١] في طبقات الشعراء لابن المعتز ٣٣ «ومتى المدى» .
[٢] وانظر الأغاني ٧/ ٢٣٥.