للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ صَاحَ، يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ [١] الَّذِي تَنْتَظِرُونَ [٢] . فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ. فَتَلَقَّوْهُ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ [٣] يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ.

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ فَطَفِقَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [٤ أ] ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ يُظِلُّهُ بِرِدَائِهِ، فَعَرِفَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَبِثَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ. ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَسَارَ حَوْلَهُ النَّاسُ يَمْشُونَ، حَتَّى بَرَكَتْ بِهِ مَكَانَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ مِرْبَدًا [٤] لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ. فَدَعَاهُمَا فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَكَانَ يَنْقِلُ اللَّبِنَ مَعَهُمْ وَيَقُولُ:

هَذَا الحمال، لاحمال [٥] خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ- رَبَّنَا- وَأَطْهَرْ [٦]

وَيَقُولُ:

اللَّهمّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ ... فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ [٧]


[١] جدّكم: أي حظّكم وصاحب دولتكم.
[٢] في نسخة الأمير عبد الله، وطبعة شعيرة «تنظروه» .
[٣] منازل بني عمرو بقباء، وهي على فرسخ من المسجد النبويّ صلّى الله عليه وسلّم. أفاده العيني. (شرح البخاري) .
[٤] المربد: كل شيء حبست به الإبل والغنم، والجرين الّذي يوضع فيه التمر بعد الجداد لييبس.
قال سيبويه: هو اسم كالمطبخ. وقال الجوهري: المربد للتمر كالبيدر للحنطة. (تاج العروس ٨/ ٨٢) .
[٥] الحمال: بالكسر، جمع حمل (بالفتح) وهو تمر الشجر، قال في (تاج العروس) : ومنه الحديث «هذا الحمال لا حمال خيبر» يعني تمر الجنّة وأنّه لا ينفد. وفي صحيح البخاري ٤/ ٢٥٨ والسيرة النبويّة لابن كثير ٢/ ٣٠٤ «حمال» بضم اللام، وهو غلط.
[٦] صحيح البخاري ٤/ ٢٥٨، الطبقات الكبرى لابن سعد ١/ ٢٤٠، السيرة لابن كثير ٢/ ٣٠٤.
[٧] القول في صحيح البخاري ٤/ ٢٥٨ ويروى:
«اللَّهمّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ ... فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ والمهاجرة