للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَارِيَةٌ لَكِ تُتْحِفِيهِ بِهَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تُتْحِفُهُ كُلَّ جُمْعَةٍ بِجَارِيَةٍ بِكْرٍ، فَيَشْرَبُ ثُمَّ يَفْتَضُّهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهَا أُمُّ جَعْفَرٍ، فَقَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي لأَقُولَنَّ أَنَّكِ خَاطَبْتِنِي بِهَذَا، وَلَئِنِ اشْتَمَلْتُ مِنَ ابْنِكِ عَلَى وَلَدٍ لَيَكُونَنَّ لَكُمُ الشَّرَفُ. فَأَجَابَتْهَا، وَجَاءَتْهَا عَبَّاسَةُ فَأَدْخَلَتْهَا مُتَنَكِّرَةً عَلَى جَعْفَرٍ، وَكَانَ لا يَثَّبَّتُ صُورَتَهَا وَلا يَجْسُرُ أَنْ يَرْفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهَا مِنَ الرَّشِيدِ قَالَ: فَافْتَضَّهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ خَدِيعَةَ بَنَاتِ الْخُلَفَاءِ؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا مَوْلاتُكَ.

فَطَارَ السُّكْرُ مِنْ رَأْسِهِ، وَقَامَ إِلَى أُمِّهِ وَقَالَ: بِعْتِنِي وَاللَّهِ، رَخِيصًا.

وَعَلِقَتْ مِنْهُ الْعَبَّاسَةُ، فَلَمَّا وَلَدَتْ وَكَّلَتْ بِالْوَلَدِ خَادِمًا [١] وَمُرْضِعًا [٢] ، ثُمَّ بَعَثَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ [٣] .

ثُمَّ وَشَتْ بِهَا زُبَيْدَةُ إِلَى الرَّشِيدِ، فَحَجَّ وَكَشَفَ عَنِ الأَمْرِ وَتَحَقَّقَهُ، فَأَضْمَرَ السُّوءَ لِلْبَرَامِكَةِ.

وَلِأَبِي نُوَاسٍ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ:

أَلا قُلْ لِأَمِينِ اللَّهِ ... وَابْنِ الْقَادَةِ السَّاسَهْ

إِذَا مَا نَاكِثٌ سَرَّكَ ... أَنْ تُعْدِمَهُ [٤] رَاسَهْ

فَلا تَقْتُلْهُ بِالسَّيْفِ ... وَزَوِّجْهُ بِعَبَّاسَهْ [٥]

وَقِيلَ إِنَّ الرَّشِيدَ سَلَّمَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ كَمَا ذَكَرْنَا، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فِيَّ، وَلا تَجْعَلْ خَصْمِكَ غَدًا جَدِّي. فَرَقَّ لَهُ وَأَطْلَقَهُ، وَخَفَرَهُ إلى مأمنه [٦] .


[١] اسمه «رياش» .
[٢] اسمها «برّة» .
[٣] في البدء والتاريخ ٦/ ١٠٥ ولدت له توأمين كأنهما لؤلؤتان!
[٤] كذا في الأصل، وفي وفيات الأعيان «تفقده» .
[٥] وفيات الأعيان ١/ ٣٣٢- ٣٣٤، مرآة الجنان ١/ ٤٠٩، شرح البسّامة ٢٢٦، الوافي بالوفيات ١١/ ١٦٤.
[٦] تاريخ الطبري ٨/ ٢٨٩، العيون والحدائق ٣/ ٣٠٦، الكامل في التاريخ ٦/ ١٧٥، ١٧٦، الفخري في الآداب السلطانية ٢٠٩، نهاية الأرب ٢٢/ ١٣٧، شرح البسّامة ٢٢٦، وفيات