للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَبِيرُ أَهْلِ الْغِنَاءِ، فَارِسِيٌّ مِنْ أَهْلِ أَرَّجَانَ [١] ، ولاؤه للحنظليّين. لقّب بالموصليّ لغيبته وقتا بِالْمَوْصِلِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنْهَا.

صَحِبَ فِتْيَانًا بِالْكُوفَةِ فِي طَلَبِ الْغِنَاءِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَخْوَالُهُ، فَفَرَّ إِلَى الْمَوْصِلِ مُدَيْدَةً. وَكَانَ قَدِمَ مَاهَانَ بِزَوْجَتِهِ مِنْ أَرَّجَانَ وَهَذَا حَمَلٌ، فَوَلَدَتْهُ بِالْكُوفَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَبَرَعَ فِي الشِّعْرِ وَالآدَابِ، وَتَتَبَّعَ عَرَبِيَّ الْغِنَاءِ وَعَجَمَتَهُ، وَسَافَرَ فِيهِ إِلَى الْبِلادِ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِالْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ بِبَغْدَادَ.

قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنِي غُلامِي وَقَالَ: بِالْبَابِ حائك يطلبك: قلت: ويلك، ما لي وَلَهُ؟ قَالَ: قَدْ حَلَفَ بِالطَّلاقِ لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُكَلِّمَكَ بِحَاجَتِهِ، قُلْتُ: ائْذَنْ لَهُ. فَدَخَلَ، قُلْتُ: مَا بِكَ؟ قَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَنَا رَجُلٌ حَائِكٌ، وَكَانَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَتَذَاكَرْنَا الْغِنَاءَ، وَأَجْمَعَ مَنْ حَضَرَ أَنَّكَ رَأْسُ الْقَوْمِ وَسَيِّدُهُمْ وَبُنْدَارُهُمْ، فَحَلَفْتُ بِطَلاقِ بِنْتِ عَمِّي ثِقَةً بِكَرَمِكَ أَنْ تَشْرَبَ عِنْدِي غَدًا وَتُغَنِّينِي، فَمُنَّ عَلَيَّ بِذَلِكَ.

فَقَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ، وَصِفْ لِلْغُلامِ الْمَوْضِعَ وَانْصَرِفْ فَإِنِّي رَائِحٌ إِلَيْكَ.

قَالَ: فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ، وَأَمَرْتُ غُلامِي أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ قِنِّينَةً وَقَدَحًا وَخَرِيطَةَ الْعُودِ، وَأَتَيْتُهُ وَدَخَلْتُ. فَقَامَ إِلَيَّ الْحَاكَةُ، فَأَكَبُّوا وَقَبَّلُوا أَطْرَافِي، وَعَرَضُوا عَلَيَّ الطَّعَامَ، فَقُلْتُ: شَبْعَانُ، وَشَرِبْتُ مِنْ نَبِيذِي، ثُمَّ تَنَاوَلْتُ الْعُودَ وَقُلْتُ:

اقْتَرِحْ. فَقَالَ: غَنِّنِي.

يَقُولُونَ لِي: لَوْ كَانَ بِالرَّمْلِ لَمْ تَمُتْ ... نُسَيْبَةُ وَالطَّرَّاقُ تَكْذِبُ قَبْلَهَا

فَغَنَّيْتُ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَاللَّهِ.

ثُمَّ قُلْتُ: اقْتَرِحْ. ثُمَّ غَنَّيْتُ لَهُ. ثُمَّ قُلْتُ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ أَنْتَ بِابْنِ سُرَيْجٍ أَشْبَهُ مِنْكَ بِالْحَاكَةِ. فَغَنَّيْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّكَ إِنْ عُدْتَ وَاللَّهِ ثَانِيَةً حَلَّتِ امْرَأَتُكَ لِغُلامِي قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَكَ. ثُمَّ انْصَرَفْتُ، وَجَاءَ رَسُولُ الرشيد يطلبني،


[١] مدينة بين فارس والأهواز.