للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقول [١] كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» [٢] ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مقاتلون، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ [٣] لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، [والله] [٤] لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هذا البحر لخضناه مَعَكَ. فَسَرَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ، وَقَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ رَبِّي قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا الْعِيرُ وإمّا النَّفِيرُ.

وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ. فَلَمَّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فِي نفر إلى بدر [٨ أ] يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ. فَأَصَابُوا رَاوِيَةً [٥] لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمُ وَأَبُو يَسَارٍ مِنْ مَوَالِيهِمْ، فَأَتَوْا بِهِمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةٌ لِقُرَيْشٍ. فَكَرِهَ. الصَّحَابَةُ هَذَا الْخَبَرَ، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونُوا سُقَاةً لِلْعِيرِ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُمَا، فَإِذَا آلَمَهُمَا الضَّرْبُ قَالَا: نَحْنَ مِنْ عِيرِ أَبِي سُفْيَانَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلّي، فلما سلّم قال: إذا صدقا ضربتموها، وَإِذَا كَذَبَا تَرَكْتُمُوهُمَا. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرَانِي أَيْنَ قُرَيْشٌ؟ قَالَا: هُمْ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ. فَسَأَلَهُمَا: كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَا: عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ أَوْ تِسْعًا: فَقَالَ: الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعُمَائَةِ إِلَى الْأَلْفِ. وَأَمَّا اللَّذَانِ بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَسَّسَانِ، فَأَنَاخَا بِقُرْبِ ماء بدر واستقيا


[١] في ح: لا نقول لك. وكذلك في السيرة ٣/ ٣٣.
[٢] استشهاد بالآية ٢٤ من سورة المائدة.
[٣] برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل بلد باليمن، وقيل موضع في أقصى أرض هجر. (معجم البلدان) .
[٤] زيادة من ع، ح.
[٥] الإبل التي يستقى عليها.