للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأدراع، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ؟ يَعْنِي: مَن أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبلٍ كَثِيرَةِ اللَّبَنِ. ثُمَّ جِئْتُ أَمْشِي بِهِمَا، فَقَالَ لِي أُمَّيَةُ: مَنِ الرَّجُلُ الْمُعَلَّمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟

قُلْتُ: حَمْزَةُ. قَالَ: ذَاكَ الّذي فعل بنا الأفاعيل. فو الله إِنِّي لَأَقُودَهُمَا، إِذْ رَآهُ بِلَالٌ، وَكَانَ يُعَذِّبُ بِلَالًا بِمَكَّةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ أمية بن خلف؟

لا نجوت إن نجا [١] . قال: أتسمع يا بن السَّوْدَاءِ مَا يَقُولُ؟ ثُمَّ صَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَنْصَارَ اللَّهِ، رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بن خلف، لا نجوت إن نجا.

قال: فَأَحَاطُوا بِنَا، وَأَنَا أَذُبُّ عَنْهُ. فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السَّيْفَ، فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ، فَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً عَظِيمَةً، فَقُلْتُ: انْجُ بِنَفْسِكَ، وَلَا نَجَاءَ، فو الله مَا أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. فَهَبَرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ. فَكَانَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ بِلَالًا، ذَهَبَتْ أَدْرُاعِي، وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيَّ.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَجُلٍ مِنْ غِفَارٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الدَّائِرَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ، فَنَنْتَهِبُ [٢] . فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ، إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ، فَسَمِعْتُ فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ [٣] . فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ [١٠ أ] فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَهْلَكَ، ثُمَّ تَمَاسَكْتُ.

رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرَوَى الَّذِي بَعْدَهُ [٤] ابْنُ حَزْمٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ من بني ساعدة عن أبي أسيد


[١] زاد في ح بعد هذا: «قلت: أي بلال، أبأسيري؟ قال: لا نجوت إن نجا» . وانظر:
السيرة ٣/ ٤١.
[٢] في ح: فننتهب مع من ينتهب. وانظر السيرة ٣/ ٤١.
[٣] حيزوم: اسم فرس جبريل عليه السلام، وقيل اسم فرس من خيل الملائكة.
[٤] هكذا في الأصل وسائر النّسخ،