للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَخَذَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَلِّي سَبِيلَ زَيْنَبَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ النِّسَاءِ. وَاسْتَكْتَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج [١] حتى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَانَهَا حَتَّى تَأْتِيَانِي بِهَا.

وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ [٢] .

فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَتَجَهَّزَتْ. فَقَدَّمَ أَخُو زَوْجِهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بَعِيرًا، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُهَا. فَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا. فَبَرَكَ كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ لَمَّا أَدْرَكُوهَا [٣] بِذِي طُوًى [٤] ، فَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ [٥] بِالرُّمْحِ. فَقَالَ كِنَانَةُ:

وَاللَّهِ لَا يَدْنُو مِنِّي رَجُلٌ إِلَّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا. فَتَكَرْكَرَ النَّاسُ عَنْهُ. وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي أَجِلَّةٍ [٦] مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ كُفَّ عَنَّا نَبْلَكَ حَتَّى نُكَلِّمَكَ. فَكَفَّ. فَوَقَفَ عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ. خَرَجْتَ بْالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ عَلَانِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا وَمَا دَخَلَ علينا من [١٢ أ] مُحَمَّدٍ، فَيَظُنُّ النَّاسُ إِذَا خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إِلَيْهِ عَلَانِيَةً أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ذُلٍّ أَصَابَنَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَّا وَهْنٌ وَضَعْفٌ، وَلَعَمْرِي مَا بِنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِ ارْجَعْ بِالْمَرْأَةِ، حَتَّى إِذَا هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّا رَدَدْنَاهَا، فَسُلَّها سِرًّا وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا. قَالَ: فَفَعَلَ. ثُمَّ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا، بَعْدَ لَيَالٍ، فَسَلَّمَهَا إِلَى زَيْدٍ وَصَاحِبَه. فَقَدِمَا بِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ [٧] .


[١] بطن يأجج: مكان من مكة على ثمانية أميال، (معجم البلدان) .
[٢] السيرة ٣/ ٥٨.
[٣] في ع: (أدركوه) .
[٤] ذو طوى، مثلثة الطّاء، والفتح أشهر: موضع قرب مكة، به كان البئر المعروف بالطّوى.
(معجم ما استعجم ٣/ ٨٩٦) .
[٥] هو: هبّار بن الأسود بن المطّلب بن عبد العزّى.
[٦] في الأصل والسيرة ٣/ ٥٨: جلّة. وأثبتنا نصّ ع، ح.
[٧] سيرة ٣/ ٥٨.