للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَتْ فِي أَسْفَلِهِ ارْفَضَّتْ [١] فَمَا بَقِيَتْ دَارٌ مِنْ دُورِ مَكَّةَ [٢] وَلَا بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُهَا.

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، فَاكْتُمِيهَا. فَقَالَتْ: وَأَنْتَ فَاكْتُمْهَا، لَئِنْ بَلَغَتْ هَذِهِ قُرَيْشًا لَيُؤْذُنَّنَا [٣] .

فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ مِنْ عِنْدِهَا، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ- وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا- فذكرها له واستكتمه. فذكرها الوليد [١٣ ب] لِأَبِيهِ، فَتَحَدَّثَ بِهَا، فَفَشَا الْحَدِيثُ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَغَادٍ إِلَى مَكَّةَ لِأَطُوفَ بِهَا، فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَبَا الْفَضْلِ تَعَالَ.

فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَتَى حَدَّثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ؟ مَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي عبد المطّلب أن تنبّأ [٤] رجالكم حتى تنبّأ نِسَاؤُكُمْ، سَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَتْ عاتكة، فإن كان حقّا فسيكون، وإلّا كتبنا عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي العرب.

قال: فو الله مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ [٥] ، إِلَّا أَنِّي أَنْكَرْتُ مَا قَالَتْ، وَقُلْتُ: مَا رَأَتْ شيئا ولا سمعت بِهَذَا، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي فَقُلْنَ: صَبَرْتُمْ [٦] لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في


[١] ارفضّت: تفرّقت.
[٢] في الأصل: (قومك) . وأثبتنا نص ع، ح. وانظر السيرة ٣٠.
[٣] في ع، ح. (ليؤذوننا) .
[٤] في السيرة «يتنبّأ» .
[٥] (كبير) : كذا بالأصل وسائر النّسخ وابن الملا. وفي السيرة: ما كان منّي إليه كبير. وهذا الاستعمال يرد في كلام العرب، ومنه الحديث الشريف «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير» (البخاريّ كتاب الوضوء) . قال في اللسان: أي ليس في أمر كان يكبر عليهما ويشقّ فعله لو أرادا.
[٦] في السيرة «أقررتم» .