للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: أخبِرْني عن هذا المجلس الذي أنت فيه. جلَسته باجتماع الأمّة أَمْ بالمُغَالبة والقَهْر؟

قال: لَا بهذا ولا بهذا. بل كان يتولّى أمر المؤمنين مَن عقد لي ولأخي.

فلمّا صار الأمر لي علمت أنّي محتاج إلى اجتماع كلمة المؤمنين في الشرق والغرب على الرضى بي. فرأيت أنّي متى خلّيتُ الأمرَ اضطّرب حبْل الإسلام ومَرَجَ عهدهم، وتنازعوا، وبطل الجهاد والحقّ، وانقطعت السُّبُل. فقمت حِياطةً للمسلمين إلى أن يُجْمِعوا على رجلٍ يرضون به، فأُسلِّم إليه الأمر. فمتى اتّفقوا على رجلٍ خرجت له من الأمر.

فقال: السلام عليكم ورحمة الله.

وذهبَ، فوجّه المأمون مَن يكشف خبره. فرجع وقال: يا أمير المؤمنين مضى إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلًا في مثل هيئته، فقالوا له: أَلَقِيتَ الرجل؟

قال: نعم. وأخبرهم بما جرى.

قالوا: ما نرى بما قال بأسًا. وافترقوا.

فقال المأمون: كُفِينا مئونة هؤلاء بأيسر الخَطْب [١] .

وقيل: أهدى ملك الروم إلى المأمون تُحَفًا سِنِية منها مائة رطل مِسْك، ومائة حلّة سَمُّور. فقال المأمون: أَضْعِفُوها له ليعلم عزّ الإسلام وذُلّ الكُفْر [٢] .

وقيل: دخل رجل من الخوارج على المأمون، فقال: ما حملك على الخلاف؟

قال: قوله تعالى: وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ٥: ٤٤ قال: ألك عِلمٌ بأنها مُنَزّلة؟ قال: نعم.

قال: ما دليلك؟ قال: إجماع الأمّة.

قال: فكما رضيتَ بإجماعهم في التنزيل، فارْضَ بإجماعهم في التأويل.

قال: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين [٣] .


[١] مروج الذهب ٤/ ٢٠، ٢١، تاريخ الخلفاء ٣٢٧.
[٢] ربيع الأبرار ٤/ ٣٦٧، فوات الوفيات ٢/ ٢٣٧.
[٣] تاريخ بغداد ١٠/ ١٨٦، تاريخ الخلفاء ٣١٩، ٣٢٠.