للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلامُ أَوْهَمَ. وَرَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم مهجرا في ساعة كان لا يَرُوحَ فِيهَا. فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رُحْتُ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ. فَقَالَ: أَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكَ ابْنُ أُبَيٍّ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنتَ وَاللَّهِ الْعَزِيزُ وَهُوَ الذَّلِيلُ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْفِقْ به، فو الله لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّا لَنُنَظِّمُ لَهُ الخرز لنتوجّه فإنّه [٤٤ أ] ليرى أن قد استبلته مُلْكًا. فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، حَتَّى أَصْبَحُوا وَحَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى. ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ لِيُشْغِلَهُمْ عَمَّا كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَلْبَثِ [١] النَّاسُ أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الأَرْضِ فَنَامُوا. وَنَزَلَتْ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ [٢] . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقْولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ [٣] رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لِلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ: أو قد فعلوها؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ.

قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ثم كثر المهاجرون بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [٤] .

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى: أنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأَزْدِيِّ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان معنا ناس من


[١] في الأصل «يأمر» وفي طبعة القدسي ٢٣٩ «يأمن» وما أثبتناه عن سيرة ابن هشام ٤/ ٧.
[٢] هي السورة رقم ٦٣.
[٣] كسعه: ضربه بيده أو برجله على دبره.
[٤] صحيح البخاري كتاب التفسير ٦/ ٦٥، ٦٦، سورة (المنافقون) . وصحيح مسلم (٢٥٨٤) كتاب البرّ والصلة، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما.