للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ١٢: ١٨ [١] ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ [اللَّهَ] [٢] يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي.

وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ مُنَزِّلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ فِي نَفْسِي [٣] أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِي بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانُ [٤] مِنَ الْعَرَقِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ كَانَ أَوَّلُ كَلِمَةً تَكَلَّمَ بِهَا: يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ. فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ.

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا الله. وأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ٢٤: ١١ الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا [٥] . فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ-: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لعائشة. فأنزلت وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ٢٤: ٢٢ [٦] قال أبو بكر: بلى والله إنّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت:


[١] سورة يوسف- الآية ١٨.
[٢] سقطت من الأصل، وزدناها من ع والبخاري ٦/ ٨.
[٣] في صحيح البخاري «ولشأني في نفسي كان» ٦/ ٩.
[٤] الجمان: الفضّة.
[٥] سورة النور: الآيات ١١- ٢١.
[٦] سورة النور: من الآية ٢٢.