للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجْهِهِ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ [١] وَالْفِرَارُ إِلا إِلَى اللَّهِ؟ قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ، بِسَهْمٍ، فَقَالَ: خُذْهَا، وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ. فَأَصَابَ أكْحَلَهُ. فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهمّ لا تُمِتْنِي حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ قُرَيْظَةَ. وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَرَقَأَ كَلْمُهُ وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَسَاقَتِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَفِيهِ قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَقَدْ كان بريء حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ إِلا مِثْلُ الْخَرْصِ [٢] . وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ. قَالَتْ: وَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.

فَإِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تعالى رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ٤٨: ٢٩ [٣] . قَالَ: فَقُلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟

قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنَاهُ لا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ [٤] وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ [٥] .

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عبد الرحمن بن عمرو ابن سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأُتِيَ بِهِ مَحْمُولا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُضْنًى [مِنْ جُرْحِهِ] [٦] ، فَقَالَ لَهُ: أشِرْ عَلَيَّ فِي هَؤُلاءِ. فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيهِمْ بِأَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ. قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنْ أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ، فَقَالَ: لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَهُمْ قَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّهُمْ وَقَسَّمْتُ أَمْوَالَهُمْ. فَقَالَ: والّذي نفسي بيده


[١] انظر الطبقات الكبرى ٣/ ٤٣٠.
[٢] الخرص: الخاتم أو حلقة القرط.
[٣] سورة الفتح: من الآية ٢٩.
[٤] بل كان عليه الصلاة والسلام رقيق القلب، فقد وردت أحاديث في بكائه رحمة وشفقة على الميت أو خوفا على أمّته أو خشية من الله أو اشتياقا ومحبّة. (الشمائل للترمذي وجامع الأصول وغيرهما) .
[٥] الطبقات الكبرى ٣/ ٤٢٣ ورواه أحمده في مسندة ٦/ ١٤١، ١٤٢ وإسناده حسن.
[٦] الإضافة من سير أعلام النبلاء ١/ ٢٨٨.