للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَوْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: إِنَّهُمُ الآنَ لَيُغْبَقُونَ [١] فِي غَطَفَانَ.

فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، فِي كُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ، جَزُورًا. وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ [٢] .

قَالَ: وَانْفَلَتَتِ امْرَأَةُ الْغِفَارِيِّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ للَّه أَنْ أَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا. قَالَ:

فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَكِ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا، إِنَّهُ لا نَذْرَ فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ إِنَّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إِبِلِي، ارْجِعِي عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ [٣] . قُلْتُ: هَذِهِ الْغَزْوَةُ تُسمَّى غَزْوَةَ الْغَابَةِ، وَتُسمَّى غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ [٤] أَنَّهَا زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ.

قَالَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: أَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَباحٌ- غُلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أُنَدِّيَهُ [٥] مَعَ الْإِبِلِ. فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ، أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَتَلَ رَاعِيهَا وَخَرَجَ يَطْرُدُهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ. فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ. فَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ. ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعَ سَيْفِي وَنَبْلِي فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ، فَإِذَا رَجَعَ إليّ فارس جلست له


[١] يغبقون: يشربون اللبن بالعشيّ.
[٢] سيرة ابن هشام ٤/ ٤، تاريخ الطبري ٢/ ٦٠٣، ٦٠٤، عيون الأثر ٢/ ٨٦، ٨٧.
[٣] سيرة ابن هشام ٤/ ٤.
[٤] صحيح مسلم ١٨٠٧ كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها.
[٥] ندّى الإبل يندّيها تندية: أي يوردها فتشرب قليلا ثم يرعاها قليلا ثم يردها إلى الماء.