للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجالس العامّة، ويحطّ منزلته ويتهدّده، ويشتمه ويتوعَّده.

واتّفق أن التُّرْك انحرفوا عن المتوكّل لكونه صادَر وصِيفًا وبُغا، وجرت أمور، فاتّفق الأتراك مع المنتصر على قتل أَبِيهِ. فدخل عليه خمسةٌ فِي جوف اللّيل وهو فِي مجلس لَهْوه فِي خامس شوّال، فقتلوه سنة سبَعٍ وأربعين [١] .

وورد أنّ بعضهم رآه فِي النّومِ، فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟

قَالَ: غفر لي بقليل من السنة أَحْيَيَتُها [٢] .

وقد كان المتوكّل منهمكًا فِي اللَّذّات والشُّرْب، فلعلّه رُحِمَ بالسنة، ولم يصحّ عَنْهُ النَّصْب [٣] .

قال المسعوديّ [٤] : ثنا ابن عَرَفَة النَّحْويّ، ثنا المبرّد قال: قال المتوكّل لأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر الصّادق: ما يقول ولدُ أبيك فِي الْعَبَّاس؟ قال: ما تقولُ يا أمير المؤمنين فِي رجل فرض الله طاعة نبيه على خلقه، وافترض طاعته على نبيّه. وكان قد سُعي بأبي الْحَسَن إلى المتوكًل، وإنّ فِي منزله سلاحًا وكتبًا من أهل قُمّ، ومِن نيّته التَّوَثُّب. فكبس بيته ليلا، فوُجِد فِي بيتٍ عليه مدرّعة صوف، متوجّه إلى ربّه يقوم بآيات. فَأُخِذ كهيئته إلى المتوكل وهو يشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس فقال: ما خامر لحمي ودمي قطّ، فاعفِني منه.

فأعفاه وقال: أنشِدْني شِعْرًا. فأنشده.

باتوا على قُلَل الأجبالَ تحرسهم ... غُلْبُ الرجال ولم تنفعهم القلل [٥]

الأبيات [٦] .


[١] انظر: سير أعلام النبلاء ١٢/ ٣٨.
[٢] تاريخ بغداد ٧/ ١٧٠.
[٣] النّصب: من النواصب، وهو اصطلاح يطلق على المتعصّبين على الإمام عليّ، ويقال للواحد:
ناصبيّ. أي من ينتصب لعداوة الإمام علي وشيعته.
[٤] في مروج الذهب ٤/ ٩٣.
[٥] البيت في مروج الذهب ٤/ ٩٤ وفيه: «فما أغنتهم القلل» .
[٦] انظر الأبيات في: مروج الذهب.