للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَمَّهُ عَامِرًا حَدَا بِهِمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَمَا خُصَّ بِهَا أَحَدٌ إِلا اسْتُشْهِدَ. فَقَالَ عُمَرُ: هَلا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ؟ فَقَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَخَرَجَ مرحب وهو يخطر بسيفه، ويقول:

عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي [١] السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذَا الْحَرْبُ أقْبَلَتْ تَلَهَّبُ [٢]

فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ

قَالَ: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ بِسَيْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ.

قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجَتْ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ، قَتَلَ نَفْسَهُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أبكي، قال «مالك» ؟ فَقُلْتُ:

قَالُوا إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ. قَالَ: «مَنْ قَالَ ذَلِكَ» ؟ قُلْتُ: نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ: «كَذَبَ أُولَئِكَ بَلْ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مَرَّتَيْنِ» [٣] قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ. قَالَ: فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. قَالَ: فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب


[ () ] مسلم (٢٤٠٧) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
[١] عند ابن سعد في الطبقات ٢/ ١١١ «شاك» . وشاكي السلاح: حادّ السلاح على ما في شرح السيرة النبويّة لأبي ذرّ الخشنيّ ٢/ ٣٤٥.
[٢] انظر الرجز في سيرة ابن هشام ٤/ ٤١، و ٤٢، وتاريخ الطبري ٣/ ١٠ و ١١.
[٣] انظر طبقات ابن سعد ٢/ ١١١.