للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقِيلَ إنّ بكّار بْن قُتَيْبَة قدِم مصر على قضائها، وهو حنفيّ، فاجتمع بالمُزَنيّ مرّة، فسأله رَجُل من أصحاب بكّار فقال: قد جاء فِي الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله، فلِم قدَّمتم التّحريم على التحليل؟

فقال المُزَنيّ: لم يذهب أحد إِلَى تحريم النبيذ فِي الجاهلّية، ثمّ حلّلَ لنا. ووقع الاتّفاق على أنّه كان حلالًا فحُرّم. فهذا يعضد أحاديث التّحريم على التّحليل.

فاستحسن بكّار ذلك منه [١] .

وقَالَ عَمْرو بْن تميم المكيّ: سمعتُ محمد بن إِسْمَاعِيل التّرمِذيّ:

سمعت المُزَنيّ يقول: لا يصحُّ لأحدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلم أنّ الله على العرش بصفاته.

قلت: مثل أيّ شيء؟

قَالَ: سميع بصير عليم [٢] .

قَالَ السُّلَميّ: سمعتُ محمد بْن عَبْد الله بْن شاذان: سمعت محمد بْن عليّ الكِنانيّ: سمعت عَمْرو بْن عُثْمَان المكّيّ يقول: ما رأيت أحدًا من المتعبّدين فِي كثرة من لقيت منهم أشدّ اجتهادًا من المُزَنيّ ولا أدْوَم على العِبادة منه. وما رَأَيْت أحدًا أشدّ تعظيمًا للعِلْمِ منه. وكان من أشدّ النّاس تضييقًا على نفسه فِي الورع، وأوسعه فِي ذلك على النّاس. وكان يقول: أَنَا خُلُق من أخلاق الشافعيّ [٣] .

وبَلَغَنا أنّ المُزَنيّ كان مُجاب الدّعوة، ذا زُهدٍ وتقشُّف. أَخَذَ عَنْهُ خَلْق من علماء خُراسان، والشام، والعجم. وقِيلَ: كان إذا فاتته صلاة الجماعة صلّى الصّلاة خمسًا وعشرين مَرَّةً [٤] .

وكان يُغَسِّل تعبُّدًا ودِيانة، فإنّه قَالَ: تعَانَيْت غسل الموتى ليرقّ قلبي،


[١] وفيات الأعيان ١/ ٢١٨، طبقات الشافعية الكبرى.
[٢] سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٩٤.
[٣] طبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٩٤.
[٤] وفيات الأعيان ١/ ٢١٨، طبقات الشافعية ٢/ ٩٤.