للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان من القُضاة العادلين.

قَالَ أبو بَكْر بْن المقرئ: نا محمد بْن بَكْر الشّعرانيّ بالقدس، نا أَحْمَد بْن سهل الهَرَويّ قَالَ: كنتُ ساكنًا فِي جوار بكّار بْن قُتَيْبَةَ، فانصرفت بعد العشاء، فإذا هُوَ يقرأ: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ٣٨: ٢٦ [١] الآية. ثُمَّ نزلت فِي السَّحَر، فإذا هُوَ يقرأها ويبكي، فعلمت أنّه كان يقرأها من أول اللّيل [٢] .

وقَالَ محمد بْن يوسف الكِنْديّ [٣] : قدِم بكّار قاضيًا من قِبل المتوكّل فِي جمادى الآخرة سنة ستٍّ وأربعين، فلم يزل قاضيًا، يعنى على مصر إِلَى أن تُوُفيّ فِي ذي الحجة سنة سبعين. وأقامت مصر بلا قاضٍ بعده سبْع سنين، ثُمَّ ولّى خُمَارَوَيْه محمد بْن عَبْدة.

وكان أَحْمَد بْن طولون أراد بكارا على لعن الموفَّق فامتنع، فسجنه إِلَى أن مات أَحْمَد، فأُطِلقَ بكّار، وبقي يسيرًا ومات. فَغُسِّلَ ليلًا، وكَثُرَ النّاس فلم يُدْفَن إِلَى العصر.

قلت: وكان القاضي بكّار عظيم الحُرْمة كبير الشأن. كان ينزل السّلطان ويحضر مجالسه، فذكر الطّحاويّ قَالَ: استعظم بكّار بْن قُتَيْبَةَ قبيح حكم الْحَارِث بْن مسكين فِي قضيّة ابنُ السائح، يعني لمّا حكم عليه الْحَارِث وأخرج من يده دار الفيل، وتوجّه ابنُ السائح إِلَى العراق يغوث على الْحَارِث [٤] .

قَالَ الطّحاويّ: وكان الْحَارِث إنّما حكم فيها على مذهب أَهْل المدينة، فلم يزل يُونُس بن عبد الأعلى يكلّم بكّارا ويجسّره حَتَّى جسر وردّ إِلَى ابني السائح ما كان أَخَذَ منهما.

قَالَ الطّحاويّ: ولا أحصي كم كان أَحْمَد بْن طولون يجيء إِلَى مجلس بكّار وهو على الحديث، ومجلسه مملوء بالناس، ويتقدم الحاجب ويقول: لا يتغّير أحد من مكانه، فَمَا يشعر بكّار إلّا وابن طولون إِلَى جانبه، فيقول له: أيّها


[١] سورة ص، الآية ٢٦.
[٢] الولاة والقضاة ٥٠٦.
[٣] في الولاة والقضاة ٥٠٦ و ٥١٢.
[٤] الخبر ذكره الكندي في ترجمة «الحارث بن مسكين» . (الولاة والقضاة ٥٠٤) وانظر: ٥٠٦.